وصية رسول الله لأبي بكر

فسيدنا أبو بكر لما دخل وجد سيدنا رسول الله صحته جيدة، وكان قاعداً يتكلم مع من حوله، فقال له: يا رسول الله أنت اليوم صحتك جيدة، أتأذن لي أن أذهب إلى أسماء بنت عميس خارج المدينة؟ قال له: تفضل يا أبا بكر، واستأذن عمر فدخل، فقال: يا رسول الله ورائي تجارة أتأذن لي؟ قال: تفضل، ففرق رسول الله الصحابة لحكمة يعلمها الله، وذلك من أجل أن الله تعالى يخلي المكان من كل المحيطين برسول الله ليخلو المكان لملائكة الرحمن، وقال أبو بكر لرسول الله قبل أن يخرج: أتريد أن توصيني بشيء يا رسول الله؟ فقال له: (يا أبا بكر إذا أنا مت فليغسلني رجال من أهل بيتي، ثم ادفنوني في المكان الذي مت فيه، وكفنوني في الثوب الذي ألبسه؛ فإن الحي أولى بالجديد من الميت).

فانظر إلى تواضع سيدنا رسول الله، (الحي أولى بالجديد من الميت)، ثم قال: (يا أبا بكر إذا خرجت الروح فادخلوا علي زرافات ووحدانا)، لأن الكل لا يستطيعون أن يصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة، فادخلوا مجموعات مجموعات أو فرادى فرادى، (ولا تطروني) لا تمدحوني، وهذا يدل على أن حفلات التأبين حرام، والله أعلم بمن اتقاه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل التقوى.

(لا تطروني ولا تعظموني، ثم خلوا بين دفني وبين صلاتكم ساعة) يعني: بعدما تصلون عليّ صلاة الجنازة اتركوني قبل الدفن قدر ساعة، والساعة هذه هي مدة من الزمن، وهي عند الصحابة قدر ذبح الجزور وتوزيع لحمها، فالسؤال الوحيد الذي سأله أبو بكر: لماذا يا رسول الله؟! فقال: (لأن الله وعدني أن يصلي علي هو بنفسه!).

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].

صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على النبي محمدِ فخرج سيدنا أبو بكر، وخرج سيدنا عمر، وخرج سيدنا عثمان، ومشى سيدنا علي بعد قليل، فقال رسول الله: (يا عائشة يا فاطمة اخرجا، فقالا: لماذا يا رسول الله؟ قال: إن ملك الموت يستأذن)، فتخيل أنت ملك الموت يستأذن على سيدنا الحبيب وعنده فاطمة وعائشة، ما هو شعور السيدة فاطمة والسيدة عائشة في ذلك الوقت؟!! ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من أصيب بمصيبة فليتعزى بمصيبته فيّ) يعني: أننا أصبنا بمصيبة كبيرة جداً بموت الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، وقد تكفل الله بحفظهما، فهذا القرآن أوامره وأحكامه باقية، فهو كتاب أنزله الله على قلب رسوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالله قد تكفل بحفظه وحفظ سنة حبيبه، فإذا تمسكنا بهما فلن نضل أبداً.

اللهم اجعلنا من العاملين بهما يا رب العالمين.

فخرجت السيدة عائشة والسيدة فاطمة، ثم قال ملك الموت: يا رسول الله! والله ما استأذنت على أحد أبداً إلا أن الله أمرني أن أستأذن عليك، قال: دعني حتى أكلم جبريل، فقال جبريل: نعم يا رسول الله، فقال له: (يا جبريل من لأمتي من بعدي؟).

فهذا أهم شيء كان يهم حبيب الله، حتى إنه قال: (لن يحن عليكم بعدي إلا الرحماء)، فلا أحد سيحن عليكم إلا من كان يعرف ربنا ويتخلق بأخلاق الله، اللهم اجعلنا من الرحماء.

فقال الله: (يا جبريل نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته أبداً، وسوف نرضيه فيهم، فقال رسول الله: يسوؤني يا جبريل واحد منهم يعذب في النار، قال: بشر محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله فلن يخلد في النار).

اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، أحينا عليها، وأمتنا عليها، وابعثنا عليها آمنين مطمئنين يا رب العالمين.

وبعد لحظات نادى على فاطمة وعلى عائشة فرأى فاطمة في حالة ذهول وكرب شديد، فقالت: (واكرباه عليك اليوم يا أبتاه! قال: يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم) أي: انتهى العناء والتعب، فقد قضى ثلاثاً وعشرين سنة وهو يدعو قومه، وقد وقف ذات يوم عند جبل أبي قيس وقال: (يا معشر قريش أولو أخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، فما جربنا عليك كذباً فأنت الصادق الأمين، فقال: فإني رسول الله إليكم جميعاً، والله لتموتن مثلما تنامون، ولتبعثن مثلما تستيقظون، وإن ربكم لواحد لا إله إلا الله، وأنا رسول الله إليكم).

فكذبوه وكانوا يضعوا أمامه القاذورات وعلى عتبته، وكانوا يضعون سلا الجزور على ظهره، وكانوا يذلون أصحابه ويجرونهم على الرمضاء ويعذبونهم، ثم جعلوه يترك مكة بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة، فذهب إلى المدينة وأصحابه هاجروا إلى الحبشة، ثم حاربوه وقاتلوه في غزوات متواصلة لم يسترح فيها قط.

قال لها: (لا كرب على أبيك بعد اليوم، لقد خيرني جبريل بين الخلود في الدنيا وجوار الرفيق الأعلى، فاخترت جوار الرفيق الأعلى، يا فاطمة الصلاة الصلاة، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى.

ثم همس في أذن فاطمة كلمة فبكت، ثم همس في أذنها كلمة فابتسمت)، فلما سئلت بعد كذا قال لها: إن ملك الموت سينزل الآن من أجل أن يقبض روحي فبكت، ثم قال لها: وأنت أول من سيلحق بي من أهلي فابتسمت، وبعد ستة أشهر كانت فاطمة مع أبيها في جنات عدن.

اللهم أوصلنا بهم، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015