أنواع التعليم

علم الله الناس ثلاثة أنواع من التعليم: العلم الأول: علم بالقلم، وهذا الذي تعلمناه في المدارس، فإن أتاك أحد وقال لك: أنا أريد أن أعمل شيئاً للإسلام، فأته بعشرين أمياً من الحي الذي أنت ساكن فيه؛ ليعلمهم القراءة والكتابة، فكلما يقرأ أحد منهم في المصحف تأخذ ثوابه إلى أن تموت، وبعدما تموت، فهذا تعليم بالقلم.

وهناك تعليم بالتلقين، ومنه ما قال ربنا عن آدم: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] فقد كان هذا بالتلقين، فعلم آدم علماً تلقينياً، وهذا هو النوع الثاني للتعليم.

النوع الثالث: علم بغير القلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48].

وهناك نوع من العلم يسمى العلم اللدني، اللهم علمنا من علمك اللدني يا رب، ويدل عليه قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65]، العلم اللدني هو العلم الذي يعلم البصائر، فالعلم لا يدخل على البصر أو السمع، وإنما يدخل على البصيرة التي يقول الله فيها: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة:282].

فإن تتق الله يفهمك، وتفسير هذا في الحديث: (من عمل بما علم، ورثه الله علم ما لا يعلم).

سألت امرأة أبي حنيفة فقالت: مات أخي وترك ستمائة دينار، فأخذت من تركته ديناراً -فهي أتته بالمسألة من الآخر، ليس من الأول، ونحن دائماً في مسائل الفرائض، نقول: مات وترك كذا وكذا- فهي تقول له: أخي مات، فأنا أخذت من تركته ديناراً واحداً، فقال لها: لا بد أن أخاك ترك بنتين وأماً وزوجة واثني عشر أخاً وأنت فأخذت ديناراً.

فترجمها أبو حنيفة سريعاً، أما نحن لو أتتنا لقلنا لها: اتركيني لغد، ونجلس نحسبها، ونعمل فاصل جدول، ونقول: ربع وثمن وثلث ونصف، وفي رد أو عول.

وكذلك في المسألة الغراوية أيضاً، رد سيدنا عمر سريعاً.

فاللهم علمنا من علمك يا رب، فهذا اسمه العلم اللدني.

إذاً: فشو القلم، المراد به انتشار الأقلام وحملتها، وكل واحد في هذه الأيام يكتب، وليس المراد أن صحفياً ماركسياً أو شيوعياً مثلاً يكتب في الإسلام، أو ممن لا يصلون يكتبون في الإسلام ويفتون.

وكان سيدنا ابن عباس يأبى أن يغادر أحداً يعرف أن عنده مسألة فقهية، فيعكف على بابه، وكان يتذلل لأهل العلم، فلا يضرب على أبوابهم، بل يقول: العالم سيخرج للصلاة، فسأنتظره حتى يخرج.

وكان رضي الله عنه يقول: العلم يؤتى إليه، ولا يأتي لأحد.

ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنه: ذللت طالباً فعززت مطلوباً، وصدق رضي الله عنه، فقد كان الناس يأتونه لعلمه من مصر ومن جنوب الجزيرة، ومن جنوب شرق آسيا، كلهم يأتون لـ ابن عباس؛ لأنه تذلل في العلم، والعلم يريد تواضع متعلميه لا تكبرهم، فحين يأتي الطالب إلى المسجد إنما يأتي ليتعلم ويجلس مع الصالحين، اللهم علمنا من علمك يا رب العالمين.

إذاً: (فشو القلم) انتشار الأقلام، وهؤلاء يضافون إلى خطباء الفتنة، الذين يفسدون أفكار الناس بأقلامهم، فهذا رجل كبير السن يقول: أنا كنت أتمنى أن موسيقار الجيلين أو موسيقار الأجيال لما مات بدل أن يعملوا نشيد بلادي بلادي أو السلام الوطني وهم يدفنونه، كان الأولى أن يأتوا بعازفين للحن مجنون ليلى وهم في الدفن، يا أخي اتق الله، فقد مات، ربنا يغفر للجميع، وهذه مسألة تخص الله عز وجل ليس لنا فيها دخل، يا رجل! اسكت، أأنت تحض على طاعة؟ تقول: بدل أن يدفنوه بالسلام الوطني، بلادي بلادي، يدفنوه بلحن مجنون ليلى، أين الحياء؟ اتقوا الله يا ناس فينا، والناس يقرءون هذا الكلام ويقولون: والله هذه فكرة جميلة كيف جاءت له؟ وطبعاً جاءت له من الشيطان.

إذاً: معنى: (فشو القلم) انتشار حملة الأقلام الفاجرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015