وكلّ واحد من الدينين فهو صراطه المستقيم الذي هو عليه سبحانه، فهو على صراط مستقيم في أمره ونهيه وثوابه وعقابه، كما قال تعالى إخبارَا عن نبيّه هود أنّه قال لقومه: {أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 54 - 56].
ولمّا علم نبيّ الله أنّ ربّه على صراط مستقيم في خلقه وأمره، وثوابه وعقابه، وقضائه وقدره، ومنعه وعطائه، وعافيته وبلائه، وتوفيقه وخذلانه، لا يخرج (?) في ذلك عن موجب كماله المقدّس الذي تقتضيه أسماؤه وصفاته من العدل، والحكمة، والرحمة والإحسان والفضل، ووضع الثواب في موضعه، والعقوبة في موضعها اللائق بها، ووضع التوفيق والخذلان والعطاء والمنع والهداية والإضلال كلِّ ذلك في أماكنه ومحالّه اللائقة به، بحيث يستحق على ذلك كمالَ الحمد والثناء = أوجب له ذلك العلمُ والعرفانُ أنْ (?) نادى على رؤوس الملأ من قومه بجَنان ثابت وقلب غير خائف بل متجرّد لله: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (?).
ثم (?) أخبر عن عموم قدرته وقهره لكلّ ما سواه، وذلّ كلّ شيء لعظمته، فقال: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} فكيف أخاف ما ناصيتُه