وهكذا الحال سواءٌ عند كشف الغطاء، ومعاينة طلائع الآخرة، والإشراف على مفارقة الدنيا، والانتقال منها إلى الله؛ بل الألم والحسرة والعذاب هناك أشدّ بأضعاف مضاعفة. فإنّ المصاب في الدنيا يرجو جبر مصيبته بالعوض، ويعلم أنّه قد أصيب بشيء زائل لا بقاء له؛ فكيف بمن مصيبته بما لا عوضَ عنه، ولا بدلَ منه (?)، ولا نسبة بينه وبيّن الدنيا جميعها؟ فلو قضى الله سبحانه بالموت من هذه الحسرة [100/ أ] والألم لكان العبد جديرًا به، وإنّ الموت لَيعود أعظمَ أمنيته وأكبرَ حسراته.
هذا (?) لو كان الألم على مجرّد الفوات (?)، فكيف وهناك من العذاب على الروح والبدن بأمور أخرى وجودية ما لا يُقدَر قدرُه؟ فتبارك من حمّل هذا الخلق الضعيف هذين الألمين العظيمين اللذين
لا تحملهما الجبال الرواسي! فأعرض الآن على نفسك أعظمَ محبوب لك في الدنيا بحيث لا تطيب لك الحياة إلا معه، فأصبحتَ وقد أُخِذ منك، وحيل بينك وبينه، أحوجَ ما كنتَ إليه، كيف يكون حالك؟ هذا، ومنه كلّ عوض، فكيف بمن لا عوض عنه؟
من كلّ شيء إذا ضيّعتَه عوض ... وما من الله إنْ ضيّعتَه عوضُ (?)
وفي أثر إلهي: "ابنَ آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعَبْ، وتكفّلت برزقك فلا تتعَبْ، ابنَ آدم اطلبْني تجدْني، فإن وجدتَني وجدتَ كلّ شيء، وإن