وتأمَّلْ كيف حقّق تعالى كونَ العبد به عند سمعه وبصره وبطشه ومشيه، بقوله: "كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها" تحقيقًا لكونه مع عبده،
وكون عبده به، في إدراكاته بسمعه وبصره، وحركاته بيده ورجله؟ وتأمل كيف قال: "فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش"، ولم يقل: فلي يسمع، ولي يبصر، ولي يبطش؟ (?).
وربما يظنّ الظانّ أنّ اللام أولى بهذا الموضع، إذ هي أدلّ على الغاية ووقوع هذه الأمور لله، وذلك أخصّ من وقوعها به.
وهذا من الوهم والغلط، إذ ليست الباء ها هنا لمجرّد الاستعانة، فإنّ حركات الأبرار والفجار وإدراكاتهم إنّما هي بمعونة الله لهم، وإنّما الباء ها هنا للمصاحبة، أي: إنما يسمع ويبصر ويبطش ويمشي، وأنا صاحبه ومعه (?)، كقوله في الحديث (?) الآخر: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه" (?).