وقال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} [المائدة: 97].
فأخبر سبحانه أنّ القصد بالخلق والأمر أن يُعرَفَ بأسمائه وصفاته، ويُعبَد وحده لا يُشرَك به، وأن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، فأخبر أنّه أرسل رسله، وأنزل كتبه، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل (?). ومن أعظم القسط: التوحيدُ، بل هو رأسُ العدل وقِوامُه، وإنّ الشرك لظلم عظيم. فالشرك (?) أظلَمُ الظلمِ، والتوحيد أعدَلُ العدلِ. فما كان أشدَّ منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر، وتفاوتُها في درجاتها بحسب منافاتها له. وما كان أشدّ موافقةً لهذا المقصود (?) فهو أوجب الواجبات، وأفرض الطاعات.
فتأمَّلْ هذا الأصلَ حقَّ التأمّل، واعتبِرْ به تفاصيلَه تَعرِفْ به حكمة أحكمِ الحاكمين وأعلمِ العالمين فيما فرضه على عباده، وحرّمه عليهم؛ وتفاوُتَ مراتبِ الطاعات والمعاصي.
ولمّا (?) كان الشرك بالله منافئا بالذات [63/ ب] لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرّم الله الجنّةَ على كل مشرك، وأباح دمَه