رفَعَتْ العقوباتِ القدريةَ أو خففتها. ولا يكاد الربّ تعالى يجمع على عبده (?) بين العقوبتين، إلا إذا لم تفِ إحداهما برفع موجَب الذنب ولم تكفِ في زوال دائه (?).
وإذا عُطِّلت العقوبات الشرعية استحالت قدريةً، وربما كانت أشدّ من الشرعية، وربما كانت دونها، ولكنّها تعمّ، والشرعية تخصّ، فإنّ الرب تبارك وتعالى لا يعاقِب شرعًا إلا من باشر الجناية أو تسبّب إليها.
وأما العقوبة القدرية فإنها تقع عامّةً وخاصّةً، فإنّ المعصية إذا خفيت لم تضرّ إلا صاحبَها، وإذا أُعلِنت ضرّت الخاصة والعامة. وإذا رأى الناس المنكر فاشتركوا في ترك إنكاره أوشك أن يعمّهم الله بعقابه.
وقد تقدّم أنّ العقوبة الشرعية شرعها الله سبحانه على قدر مفسدة الذنب وتقاضي الطبع له (?)، وجعلها سبحانه ثلاثة أنواع: القتل، والقطع، والجلد. [55/ أ] وجعل القتل بإزاء الكفر وما يليه ويقرب منه، وهو الزنا واللواط، فإنّ هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد الإنساب ونوع الإنسان.
قال الإِمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنى (?)، واحتجّ بحديث عبد الله بن مسعود أنه قال: يا رسول الله أيّ الذنب أعظم (?)؟
قال: "أن تجعل لله نِدًّا وهو خَلَقَك" قال: قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافةَ أن يطعَمَ معك". قال: قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تُزانيَ