فإنّ الذي لم ينزل يعلو عليه، ولا بدّ.
وحكم شيخ الإِسلام ابن تيمية بين الطائفتين [42/ أ] حكمًا مقبولًا فقال: التحقيق أنّ من التائبين من يعود إلى أرفع من درجته، ومنهم من يعود إلى مثل درجته (?)، ومنهم من لا يصل إلى درجته (?).
قلت: وهذا بحسب قوة التوبة وكمالها، وما أحدثته المعصيةُ للعبد من الذلّ والخضوع والإنابة، والحذر والخوف من الله، والبكاء من خشيته؛ فقد تقوى هذه الأمور حتى يعود التائب إلى أرفع من درجته،
ويصير بعد التوِبة خيرًا منه قبل الخطيئة. فهذا قد تكون الخطيئة في حقّه رحمةً، فإنّها نفتْ عنه داءَ العجب، وخلّصتْه من ثقته (?) بنفسه وأعماله، ووضعتْ خدَّ ضراعته وذلّه وانكساره على عتبة باب سيّده ومولاه، وعرّفتْه قدرَه، وأشهدَتْه فقرَه وضرورتَه إلى حفظ سيّده له، وإلى عفوه عنه ومغفرته له، وأخرجَتْ من قلبه صولة الطاعة، وكسرتْ أنفَه من (?) أن يشمخ بها، أو يتكبّر بها، أو يرى نفسه بها خيرًا من غيره؛ وأوقفته بين يدي ربه موقفَ الخطّائين المذنبين ناكسَ الرأس بين يدي ربّه، مستَحْييًا
منه، خائفًا وجلًا، محتقرًا لطاعته، مستعظمًا لمعصيته، قد عرف (?) نفسَه بالنقص وَالذمّ، وربَّه منفردًا بالكمال والحمد والوفاء، كما قيل: