ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي إلاّ أنها توجب لصاحبها ضدَّ هذه الصفات، وتمنعه من الاتصاف بها لكفى بها عقوبةً. فإنّ الخطرة تنقلب وسوسة، والوسوسة تفسير إرادةً، والإرادة تقوى فتصير عزيمة،
ثم تفسير فعلًا، ثم تفسير صفة لازمة وهيئة ثابتة راسخة، وحينئذ يتعذر الخروج منها كما يتعذر عليه (?) الخروج من صفاته القائمة به (?).
والمقصود وفي أنه كلّما اشتدّت ملابسته الذنوب (?) أخرجت من القلب الغيرةَ على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدًّا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح، لا من نفسه ولا من غيره. وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك.
وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح، بل يحسِّن الفواحش والظلم لغيره، ويزينه له، ويدعوه إليه، ويحثّه عليه، ويسعى له في تحصيله. ولهذا كان الديّوث أخبث خلق الله، والجنة حرام عليه (?).
وكذلك محلّل الظلم والبغي لغيره، ومزيّنه له. فانظر [32/ ب] ما الذي حملت عليه قلة المغيرة!
وهذا يدلّك على أنّ أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له.
فالغيرة تُحمي القلبَ، فتحمَى له الجوارحُ، فتدفع السوء والفواحش.