ومع هذا كله حلم عنه عمر وعفا عنه، وصفح بعدما سمع الآية، وسمع قول الحر: إن هذا من الجاهلين، ووقف عند الآية: ولم يعمل بغير ما دلت عليه، بل عمل بمقتضاها، - رضي الله عنه - وأرضاه (?)، وهذا يدل على كمال حلمه وحكمته التي استفادها من هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فرسخت في ذهنه حتى كانت هيئة راسخة ثابتة في نفسه وخُلُقه.
وهذا يحتاج في بداية الأمر إلى جهاد وقوة؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) (?).
ولاشك أن الغضب يهدم الحلم وينافيه، وصاحب الغضب لا يكون حليماً، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - لمن قال أوصني: ((لا تغضب)) (?).
والداعية إلى اللَّه يستطيع أن يتّصف بالحلم؛ ليكون حكيماً، وذلك بعلاج الغضب (?)، إذا حلّ به ونزل، ولا يكون العلاج النافع إلا بما شرعه اللَّه، وبينه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقد عمل على تربية المسلمين تربية قولية وفعلية وعملية حتى يكونوا حلماء، حكماء.