مِثَال تفصيلي من هَذَا الْإِجْمَال: تنشأ مدرسة عالية لتخريج المرشحين للْإِمَامَة الْعُظْمَى وللاجتهاد فِي الشَّرْع الَّذين ينتخب مِنْهُم رجال ديوَان الْخلَافَة الْخَاص وَأهل الْقَضَاء والإفتاء وواضعو القوانين الْعَامَّة، ونظم الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام والدفاع عَنهُ، وَإِزَالَة الْبدع والخرافات اللاصقة بأَهْله. وَمِمَّا يدرس فِي هَذِه الْمدرسَة أصُول القوانين الدولية وَعلم الْملَل والنحل، وخلاصة تَارِيخ الْأُمَم، وَسنَن الِاجْتِمَاع، ونظم الهيئات الدِّينِيَّة كالفاتيكان والبطاركة والأساقفة وجمعياتهم الدِّينِيَّة وأعمالها، فَمَتَى تخرج فِي هَذِه الْمدرسَة فِي الزَّمن الْمعِين أَفْرَاد مستجمعون لشرائط الْخلَافَة، وَمن أهمها الْعلم الاستقلالي الاجتهادي وَالْعَدَالَة، تَزُول ضَرُورَة جعل الْخَلِيفَة جَاهِلا أَو فَاسِقًا. .
فَإِذا انتخب أحد المتخرجين فِي هَذِه الْمدرسَة انتخابا حرا من قبل أهل الِاخْتِيَار - الَّذين يتحَرَّى فيهم أَن يَكُونُوا من جَمِيع الأقطار الإسلامية وَلَا سِيمَا المستقلة مِنْهَا بِمُوجب النظام الْخَاص لَهُ - ثمَّ بَايعه من سَائِر أهل الْحل وَالْعقد من يحصل بهم الثِّقَة التَّامَّة للْأمة كَافَّة قَامَت الْحجَّة على كل فَرد أَو جمَاعَة أَو شعب بِأَنَّهُ هُوَ الإِمَام الْحق النَّائِب عَن الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي إِقَامَة الدّين وسياسة الدُّنْيَا، وَأَن طَاعَته فرض شَرْعِي فِي كل مَا هُوَ غير مَعْصِيّة قَطْعِيَّة ثَابِتَة بِنَصّ الْكتاب أَو السّنة الصَّحِيحَة من الْمصَالح الْعَامَّة، وَلَا تجوز مُخَالفَته فِي شئ من ذَلِك بِاجْتِهَاد يُعَارض اجْتِهَاده وَلَا تَقْلِيد مُجْتَهد آخر، فَإِن اجْتِهَاده فِي الْمصَالح الْعَامَّة مُرَجّح على اجْتِهَاد غَيره مَتى كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد كَمَا هُوَ الْوَاجِب. وَإِنَّمَا يتبع كل امْرِئ اجْتِهَاد نَفسه أَو فَتْوَى قلبه وراحة وجدانه فِيمَا يخْتَلف فِيهِ اجْتِهَاد الْعلمَاء من الْأُمُور الشخصية الْخَاصَّة ككون هَذَا المَال حَلَالا أَو حَرَامًا.
وَيجوز لكل مُسلم مُرَاجعَة الْخَلِيفَة فِيمَا يُخَالف فِيهِ النَّص، وَلأَهل الْحل وَالْعقد مُرَاجعَته فِي رَأْيه واجتهاده الْمُخَالف للْمصْلحَة الْعَامَّة. وَمثل مَا يرجح اجْتِهَاده فِيمَا ذكر كَمثل حكم الْحَاكِم فَإِنَّهُ يرفع الْخلاف فِي الْمسَائِل الاجتهادية، وَلَكِن من علم أَنه قضى لَهُ بِغَيْر حَقه لَا يحل لَهُ ديانَة أَن يَأْخُذهُ، لِأَن علمه بالواقع أرجح من ظن القَاضِي الَّذِي هُوَ اجْتِهَاده فِي الحكم أَو فِي تطبيقه الدَّعْوَى كَمَا ورد فِي الحَدِيث الصَّحِيح، على أَن الْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ بنفوذ حكم الْحَاكِم فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن فَيحل عِنْدهم ديانَة أَن تَأْكُل مَا حكم لَك بِهِ القَاضِي الشَّرْعِيّ وَإِن كنت تعلم أَن المَال لَيْسَ لَك: