الشَّرْع الإسلامي وكنه الحضارة الأوربية، وَهَذَا الحزب هُوَ الَّذِي يُمكنهُ إِزَالَة الشقاق من الْأمة، على مَا يجب عمله فِي إحْيَاء منصب الْإِمَامَة، إِذا اشْتَدَّ أزره، وَكثر مَاله وَرِجَاله، فَإِن موقفه فِي الْوسط يُمكنهُ من جذب المستعدين لتجديد الْأمة من الطَّرفَيْنِ. . وَهُوَ الحزب الَّذِي سميناه فِي الْمقَالة الثَّالِثَة من مقالات (مَدَنِيَّة القوانين) بحزب الْأُسْتَاذ الإِمَام إِذْ كَانَ الْمنَار يمهد السَّبِيل لجعل الْأُسْتَاذ زعيم الْإِصْلَاح فِي جَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام، وَإِنَّا نَعْرِف أفرادا من هَؤُلَاءِ المصلحين المعتدلين فِي الأقطار الْمُخْتَلفَة وَلَا سِيمَا الْعَرَبيَّة والتركية والهندية، ونشهد أَن مُسْلِمِي الْهِنْد فِي جُمْلَتهمْ أَرْجَى لشد أزر هَذَا الحزب بِالْمَالِ وَالرِّجَال من غَيرهم، وَلَكنهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْعَمَل إِلَّا باتحاد عقلائهم مَعَ عقلاء سَائِر الأقطار، لتكوين جمَاعَة أهل الْحل وَالْعقد بِمَا يتفقون عَلَيْهِ من النظام، لأجل قيادة الرَّأْي الْعَام، ولتكوين مؤتمر عَاجل لأجل تَقْرِير مَا يتَّخذ من الْوَسَائِل الْآن، فَإِن مَسْأَلَة الْخلَافَة كَانَت مسكوتا عَنْهَا، فَجَعلهَا الانقلاب التركي الْجَدِيد أهم الْمسَائِل الَّتِي يبْحَث فِيهَا، وَلَوْلَا كَثْرَة التخبط وتضليل الرَّأْي الْعَام بِأَكْثَرَ مَا كتب فِيهَا لآثرنا السُّكُوت على القَوْل، مَعَ السَّعْي إِلَى مَا نرى من الْمصلحَة فِيهَا بِالْعَمَلِ، وَلَكِن وَجب التَّمْهِيد لَهُ بِبَيَان الْحَقَائِق وَإِن جعلت مَوضِع الْبَحْث والمراء، باخْتلَاف الآراء والأهواء، وحسبنا أَن نذْكر حزب الْإِصْلَاح بِمَا يعن لَهُ من العقبات، من حزبي التقاليد والعصبيات، وَبِمَا يجب أَن يعد للْعَمَل من الْقَوَاعِد والبينات. .
بَينا فِي الْمقَالة الثَّالِثَة من مقالات (مَدَنِيَّة القوانين) مرادنا من التفرنج وَأَهله وَأَن مِنْهُم الْمُرْتَدين المجاهرين بالْكفْر والمسرين بِهِ، ومداركهم فِي حُكُومَة الْإِسْلَام وشريعته. . ونقول هُنَا أَيْضا:
إِن ملاحدة المتفرنجين يَعْتَقِدُونَ أَن الدّين لَا يتَّفق فِي هَذَا الْعَصْر مَعَ السياسة وَالْعلم والحضارة، وَأَن الدولة الَّتِي تتقيد بِالدّينِ تقيدا فعليا لَا يُمكن أَن تعز وتقوى وتساوي الدولة العزيزة. . وَهَؤُلَاء كَثِيرُونَ جدا فِي المتعلمين فِي أوربه وَفِي الْمدَارِس الَّتِي تدرس فِيهَا اللُّغَات الأوروبية والعلوم العصرية، وَرَأى أَكْثَرهم أَنه يجب أَن تكون الْحُكُومَة غير دينية. . وحزبهم قوي ومنظم فِي التّرْك، وَغير منظم فِي مصر،