بِإِظْهَار مَا هم عَلَيْهِ من الْكَفَاءَة وعلو الهمة وهم الْآن فِي غيابات السجون، مِنْهُم (غاندي) عِنْد الهندوس وَأَبُو الْكَلَام وَمُحَمّد عَليّ وشوكت عِنْد الملسمين، ويلي هَؤُلَاءِ جماعاتهم كالوفد الْمصْرِيّ عندنَا وجمعية الْخلَافَة عِنْدهم. .
وَأما الْجَمَاعَات الْقَدِيمَة مثل هَيْئَة كبار الْعلمَاء فِي الْأَزْهَر بِمصْر، وَفِي جَامع الفاتح والسليمانية من الآستانة، وجامع الزيتونة بتونس، ومدرسة ديوبند بِالْهِنْدِ فَإِن جُمْهُور الْأمة يَثِق بِأَن حكم الله مَا قَالُوا، لَكِن أَكثر المتفرنجين - وَمِنْهُم أَكثر الْحُكَّام والقواد والأحزاب السياسية - قَلما يُقِيمُونَ لأحد مِنْهُم وزنا، إِلَّا من كَانَ ذَا منصب أَو ثروة، أصَاب بهَا بعض الوجاهة. . وَلَا يُوجد فِي عُلَمَاء أهل السّنة مُجْتَمعين وَلَا منفردين من يبلغ فِي الزعامة وَاتِّبَاع الشّعب لَهُ مبلغ مجتهدي عُلَمَاء الشِّيعَة، وَلَا سِيمَا متخرجي النجف مِنْهُم، فَأُولَئِك هم الزعماء لأهل مَذْهَبهم حَقًا، وَيُقَال إِنَّهُم أفتوا فِي هَذِه الآونة بِتَحْرِيم انتخاب الجمعية الوطنية، الَّتِي أمرت بهَا حُكُومَة الْملك فيصل لإقرار المعاهدة بَين الْعرَاق والدولة البريطانية، فأطاعها البدو والحضر من الشِّيعَة. . وَقد كَانَ ميرزا حسن الشِّيرَازِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أصدر فَتْوَى تَحْرِيم التنباك فخضع لَهَا الشّعب الإيراني كُله، وَتركُوا اسْتِعْمَال التنباك وزرعه، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صادرات بِلَادهمْ كالقطن فِي الْقطر الْمصْرِيّ، وَكَانَ الَّذِي حمله على إصدار هَذِه الْفَتْوَى موقظ الشرق السَّيِّد جمال الدّين الأفغاني قدس الله روحه بِسَبَب إِعْطَاء حُكُومَة إيران امتيازا بالتنباك لشركة إنكليزية، فاضطرت الْحُكُومَة لفسخ الامتياز فِي مُقَابل تعويض للشَّرِكَة قدره خَمْسمِائَة ألف جنيه إنجليزي، وَلَو لم تفسخ هَذِه الشّركَة لفَعَلت فِي إيران مَا فعلت شركَة الْجُلُود الإنكليزية فِي الْهِنْد، أَي لملكت أمتها تِلْكَ الْبِلَاد وضمتها إِلَى إمبراطورية الْهِنْد. .
قلت إِن الحكومات المسبتدة تجتهد فِي إِفْسَاد من يظْهر من الزعماء فِي الشعوب الَّتِي تتولى أمرهَا، على أَنَّهَا تعنى قبل ذَلِك بالأسباب الَّتِي تمنع وجود الزعامة فِيهَا بإفساد التَّعْلِيم ومراقبته، وَقد أبعدوا عُلَمَاء الدّين عَن السياسة وَعَن الْحُكُومَة، فَصَارَ أَكثر أَهلهَا وأنصارها من الْجَاهِلين بالشريعة، وَتَوَلَّى هَؤُلَاءِ أَمر التَّعْلِيم وإعداد عُمَّال الْحُكُومَة بِهِ، وانكمش الْعلمَاء إِلَى زَوَايَا مَسَاجِدهمْ، أَو جحور بُيُوتهم، وَلم يطالبوا بحقوقهم، وَلَا اسْتَعدوا لذَلِك بِمَا تَقْتَضِيه حَال الزَّمَان، وطبيعة الْعمرَان، وَلَا عرفُوا كَيفَ يحفظون مكانتهم من زعامة الْأمة بتعريفها بحقوقها، وقيادتها