شَيْء علما وَيقدر على كل عمل فَإِن هَذَا لله وَحده {قل لَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله وَلَا أعلم الْغَيْب وَلَا أَقُول لكم إِنِّي ملك} . .
وَلذَلِك كَانُوا إِذا راجعوه فِي أَمر أَمر بِهِ وَرَأَوا الْمصلحَة فِي غَيره سَأَلُوهُ أقاله أَو فعله بِوَحْي من الله أم من رَأْيه؟ فَإِذا قَالَ إِنَّه من رَأْيه ذكرُوا رَأْيهمْ وَقد يعْمل بِهِ ويرجحه على رَأْيه كَمَا فعل فِي يَوْم بدر فقد جَاءَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أدنى مَاء فَنزل عِنْده فَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت هَذَا الْمنزل أمنزل أنزلكه الله لَيْسَ لنا أَن فتقدمه وَلَا أَن نتأخر عَنهُ؟ أم هُوَ الرَّأْي وَالْحَرب والمكيدة؟ قَالَ
" بل هُوَ الرَّأْي وَالْحَرب والمكيدة " فَقَالَ يَا رَسُول الله لَيْسَ هَذَا بمنزل فانهض بِالنَّاسِ حَتَّى نأتي أدنى مَاء من الْقَوْم فننزله ثمَّ تغور مَا وَرَاءه الخ فَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
" لقد أَشرت بِالرَّأْيِ " وَعمل بِرَأْيهِ، وَفِي رِوَايَة إِبْنِ عَبَّاس عَن ابْن سعد أَن جِبْرِيل نزل فَقَالَ للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الرَّأْي مَا أَشَارَ بِهِ الْحباب بن الْمُنْذر:
وَقد اسْتَشَارَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَبَا بكر وَعمر (رَضِي الله عَنْهُمَا) فِي أسرى بدر فَاخْتلف رأيهما فَقَالَ
" لَو اجتمعتما مَا عصيتكما " وَكَانَ رَأْيه مُوَافقا لرأي أبي بكر فأنفذه ثمَّ نزل الْوَحْي بِمَا يُؤَيّد رَأْي عمر وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض} . الْآيَتَيْنِ فَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لعمر
" كَاد يصيبنا فِي خِلافك شَرّ " وَالرِّوَايَات فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَثِيرَة. . وكل هَذَا كَانَ قبل أَمر الله تَعَالَى إِيَّاه بمشاورتهم فَإِنَّهُ نزل فِي غَزْوَة أحد وفيهَا رجح رَأْي الْأَكْثَرين على رَأْيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ورأي كثير من كبراء الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم، وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ كرم الله وَجهه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن الْعَزْم أَي قَوْله تَعَالَى: {وشاورهم فِي الْأَمر فَإِذا عزمت فتوكل على الله} فَقَالَ
" مُشَاورَة أهل الرَّأْي ثمَّ اتباعهم ".
وَقد حققنا مَسْأَلَة الشورى فِي الْحُكُومَة الإسلامية بالتفصيل فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة من سُورَة آل عمرَان وَتَفْسِير: {أطعيوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} من سُورَة النِّسَاء. وَبينا فِي الأول الْحِكْمَة فِي ترك الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نظام الشورى للْأمة وَعدم وضع أَحْكَام لَهَا، وَمُلَخَّصه أَن النظام يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال الْأمة فِي كثرتها وقلتها وشئونها الاجتماعية ومصالحها الْعَامَّة فِي الْأَزْمِنَة الْمُخْتَلفَة، فَلَا يُمكن أَن تكون لَهُ أَحْكَام مُعينَة توَافق جَمِيع الْأَحْوَال فِي كل زمَان وَمَكَان، وَلَو وَضَع لَهَا أحكاما مُؤَقَّتَة لخشى أَن يتَّخذ النَّاس مَا يَضَعهُ لذَلِك الْعَصْر وَحده دينا مُتبعا فِي كل حَال