وَقد أورد بعض فضلاء الْعَصْر شُبْهَة على جعل الْخلَافَة فِي قُرَيْش بِأَنَّهَا تعَارض مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَام من الْمُسَاوَاة وَمن نزع العصبية وتسييد طَائِفَة مُعينَة على سَائِر الْمُسلمين بل جعلهَا كالشبهة الَّتِي أوردهَا بعض الْعلمَاء على الشِّيعَة الَّذين يحصرونها فِي العلويين من أَنَّهَا تفتح بَاب الطعْن فِي الْإِسْلَام لغير الْمُؤمنِينَ بزعمهم أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِنَّمَا أسس ملكا لأهل بَيته، وكل ذَلِك ظَاهر الْبطلَان، كَمَا بَيناهُ فِي مَوضِع آخر من الْمنَار. فَإِن قُريْشًا بطُون كَثِيرَة مُتَفَرِّقَة وَكَانَ بَينهَا من التعادي فِي الْجَاهِلِيَّة مَا بَين غَيرهَا من قبائل الْعَرَب وبطونها وَمِنْه عَدَاوَة بني عبد شمس لبني هَاشم الَّتِي خفيت بعد فتح النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لمَكَّة وتأليفه لأبي سُفْيَان كَبِير بني أُميَّة وَفِي خلَافَة أبي بكر وَعمر، وَبَدَأَ الاستعداد لإظهارها فِي خلَافَة عُثْمَان وأظهرها مُعَاوِيَة بعده. وَلم يَتَجَدَّد لقريش شَأْن فِي زمن الرَّاشِدين لم يكن لَهَا وَلَا فِي زمن الأمويين والعباسيين، إِلَّا أَن الأمويين كَانَت عِنْدهم عصبية لأهل بَيتهمْ ثمَّ للعربية فمقتهم الْعَالم الإسلامي وقلبهم قبل أَن يستكمل ملكهم قرنا وَاحِدًا.
وَلم يكن لبني تَمِيم فِي خلَافَة أبي بكر وَلَا لبني عدي فِي خلَافَة عمر أدنى امتياز على أحد من أقرانهم، ونزوان بني أُميَّة على مصَالح الْأمة فِي زمَان عُثْمَان كَانَ بِسَبَب ضعفه، بنعرة عصبية مِنْهُ، وَلم يغْفر لَهُ الرَّأْي الإسلامي الْعَام هَذَا بل هاج النَّاس عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ ذَلِك تمهيداً لتمكن أَصْحَاب الدسائس الْخفية فِي الْإِسْلَام من قَتله، أعنى دسائس حزب عبد الله بن سبأ الْيَهُودِيّ. . وَالْمَجُوس مثيري الْفِتَن فِي الْإِسْلَام. وَقد روى أَن الإِمَام الْعَادِل الْعَاقِل عمر حذر عُثْمَان وعلياً وَعبد الرَّحْمَن من مثل هَذَا الإيثار للأقارب الْمنَافِي لهدى الْإِسْلَام والمفضي إِلَى فَسَاد الْأَمر. . فَقَالَ لَهُم لما جعل الْأَمر من السِّتَّة: إِن النَّاس لن يعدوكم أَيهَا الثَّلَاثَة، فَإِن كنت يَا عُثْمَان فِي شَيْء من أَمر النَّاس فَاتق الله وَلَا تحملن بني أُميَّة وَبني أبي معيط على رِقَاب النَّاس، وَإِن كنت يَا عَليّ فَاتق الله وَلَا تحملن بني هَاشم على رِقَاب النَّاس، وَقَالَ لعبد الرَّحْمَن مثل ذَلِك. . ذكره الْحَافِظ فِي شرح البُخَارِيّ، وَقَوله إِن النَّاس لن يعدوكم مبْنى على الْقَاعِدَة الَّتِي قررناها وَهِي أَن أَمر الْخلَافَة للْأمة لَا للستة الزعماء الَّذين أَرَادَ عمر جمع كلمة الْأمة بِجمع كلمتهم، لعلو مكانتهم فِيهَا بمناقبهم، على أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد أوعد قُريْشًا فِي بعض الْأَحَادِيث بانتقام الله مِنْهُم إِذا لم يقيموا الْحق وَالْعدْل وَالرَّحْمَة كَمَا