عهد الله تَعَالَى بِالْإِمَامَةِ الْعَامَّة لنَبيه وخليله إِبْرَاهِيم وللعادلين من ذُريَّته غير الظَّالِمين، فوعد بهَا قوم مُوسَى من بني إِسْرَائِيل، وَقوم مُحَمَّد من بني إِسْمَاعِيل، قَالَ تَعَالَى فِي الْوَعْد الأول 28: 5 {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض ونجعلهم أَئِمَّة ونجعلهم الْوَارِثين} وَقَالَ فِي الْوَفَاء بِهِ 7: 137 {وأورثنا الْقَوْم الَّذين كَانُوا يستضعفون مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا الَّتِي باركنا فِيهِ وتمت كلمة رَبك الْحسنى على بني إِسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا} الْآيَة وَقَالَ فِي الْوَعْد الثَّانِي 24: 55 {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم} . . وَقد صدق الله هَذِه الْأمة وعده ووفى لَهَا، كَمَا وفى لمن قبلهَا، ثمَّ سلبها جلّ مَا أَعْطَاهَا، كَمَا عاقب بذلك سواهَا، إِذْ نقضت عهدها كَمَا نقضوا، وفسقت عَن أَمر بهَا كَمَا فسقوا، واغترت بنسبها وبكتابها كَمَا اغتروا، وَإِنَّمَا ناط تَعَالَى إِرْث الأَرْض، بِإِقَامَة الْحق وَالْعدْل، وبالصلاح والإصلاح لأمور الْخلق، وَاسْتثنى من نيل عَهده الظَّالِمين، وتوعد بسلبه من الْفَاسِقين، وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهَا أَن تعْتَبر بذلك فتثوب إِلَى رشدها، وتتوب إِلَى رَبهَا، عَسى أَن يرحمها، وَيتم لآخرها، مَا أنْجز من عَهده لأولها، وَلكنهَا لما تفعل، وَعَسَى أَن تفعل.
إِن الْمَرِيض الْجَاهِل بمرضه لَا يطْلب لَهُ علاجا، وَإِن من يطْلب العلاج من غير الطَّبِيب الْعَارِف بمرضه لَا يُصِيب نجاحا، وَإِن دَاء الْمُسلمين ودواءه مُبين فِي كِتَابهمْ الْمنزل، وَلَكنهُمْ حرمُوا على أنفسهم الْعلم وَالْعَمَل بِهِ، اسْتغْنَاء عَنْهُمَا بِفقه المقلدين وكتبهم، وَيُمكن الْعلم بهما مِمَّا أرشدهم إِلَيْهِ الْكتاب من السّير فِي الأَرْض، للنَّظَر فِي أُمُور الْأُمَم وَالِاعْتِبَار بسنن الله فِي الْخلق، وَلَكنهُمْ قَلما كَانُوا يَسِيرُونَ، وَإِذا سَارُوا فقلما ينظرُونَ ويعتبرون.