خُلَاصَة اجتماعية تاريخية، فِي الْخلَافَة والدول الإسلامية
{وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ من الله عَلَيْهِم من بَيْننَا أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ} . .؟
(تمهيد) : لقد كَانَ فِيمَن قبلنَا من الْبشر منذرون ورسل بعثوا لهدايتهم، وملوك وحكام يتولون الْأَحْكَام والسياسة فيهم، وَكَانَ بعض الْأَنْبِيَاء ملوكاً، وَكَانَ بعض الْمُلُوك تابعين للأنبياء، وَكَانَ الْملك والرياسة فتْنَة للملوك والرعايا، وللرؤساء والمرءوسين، {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ} وَكَانَ رُؤَسَاء الدّين من غير الْأَنْبِيَاء كثيرا مَا يشتركون مَعَ رُؤَسَاء الدُّنْيَا من الْمُلُوك والأمراء فِي فتْنَة المَال والجاه، فَيكون بَعضهم أَوْلِيَاء بعض فِي استعباد مرءوسيهم، والتمتع بِأَمْوَالِهِمْ وأعراضهم، وَكَانَت الشعوب، تنقاد لأولئك الرؤساء إِمَّا بوازع الِاعْتِقَاد الديني، وَإِمَّا بقهر الْقُوَّة وَالسُّلْطَان، وَإِمَّا بالأمرين جَمِيعًا، وَرُبمَا كَانَ بَعْضهَا ويضيق ذرعاً بِبَعْض الْمُلُوك الجائرين فينزع يَده من طاعتهم، ويثل عروشهم، ويولي أمره جمَاعَة من الزعماء الَّذين نهضوا لمقاومة الْجور والقهر بقوتهم، حَتَّى إِذا مَا صَار الْأَمر إِلَيْهِم كَانُوا وهم عصبَة أَشد جوراً وبغياً من الْملك الْوَاحِد الَّذِي لَا يَسْتَطِيع ظلما وَلَا هضما إِلَّا بأعوانه من أمثالهم، وَمَا زَالَ النَّاس مرهقين بسيطرة رُؤَسَاء الدّين الروحية فِي سرائرهم، ورؤساء الدّين وَالدُّنْيَا مَعًا فِي ظواهرهم.
(إِذا أَوَوْا إِلَى ظلّ الْعدْل ... يَوْمًا لفحهم هجير الْجور أَيَّامًا)
(وَإِذا تذوقوا من حلاوة الرَّحْمَة ... جرعة رَاحَة تجرعوا من علقم الْقَسْوَة)