زار السَّيِّد عبد الحميد الزهراوي عقب تَعْيِينه عضوا فِي مجْلِس الْأَعْيَان العثماني مصر وَنزل ضيفا عِنْد صديقه صَاحب الْمنَار، وزار لورد كتشنر العميد البريطاني فِي ذَلِك الْوَقْت بإيعاز وَكنت مَعَه فَكَانَ مِمَّا قَالَه لَهُ اللورد باللغة الْعَرَبيَّة: " 1 " أَن الدولة العثمانية لَا تصلح بالقوانين الَّتِي تقتبسها منا - معشر الأوربيين - وَنحن مَا صلحت لنا هَذِه القوانين إِلَّا بعدتربية تدريجية فِي عدَّة قُرُون كُنَّا نغير فِيهَا ونبدل بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال، وَإِن عنْدكُمْ شَرِيعَة عادلة مُوَافقَة لعقائدكم ولأحوالكم الاجتماعية، فَالْوَاجِب على الدولة أَن تعْمل بهَا وتترك قوانين أوروبة فتقيم الْعدْل وَتحفظ الْأَمْن وتستغل بلادها الخصبة، وَعِنْدِي أَنَّهَا لَا تصلح بِغَيْر هَذَا. .
هَذَا الْكَلَام حق وَإِن جَازَ على قَائِله الْجَهْل وَالْخَطَأ فِيمَا يظنّ أَنه لَا يصلح لنا من قوانين أوربة، وَنحن نعلم أَن كل مَا لديهم من حق وَعدل فِي ذَلِك فشريعتنا قد سبقت إِلَى تَقْرِيره كَمَا علم مِمَّا تقدم ولتفصيل ذَلِك مقَام آخر. .
الْإِسْلَام دين الْحُرِّيَّة والاستقلال الَّذِي كرم الْبشر وَرفع شَأْنهمْ بإعتاقهم من رق الْعُبُودِيَّة لغير الله تَعَالَى من رُؤَسَاء الدّين وَالدُّنْيَا. . فَأول أُصُوله تَجْرِيد الْعِبَادَة والتنزيه وَالتَّقْدِيس وَالطَّاعَة الذاتية لله رب الْعَالمين، وَأَن الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لَيْسُوا إِلَّا مرشدين ومعلمين، {وَمَا نرسل الْمُرْسلين إِلَّا مبشرين ومنذرين} ، فَلَا سيطرة لَهُم على سرائر النَّاس، وَلَا حق الْإِكْرَاه والإجبار، وَلَا المحاسبة على الْقُلُوب والأفكار، وَلَا مغْفرَة الذُّنُوب والأوزار، وَلَا الحرمان من الْجنَّة وَإِدْخَال النَّار، بل ذَلِك كُله لله الْوَاحِد القهار، الْعَفو الْغفار، قَالَ تَعَالَى لخاتم رسله: {فَذَكِّر إِنَّمَا أَنْت مُذَكِرّ. لست عَلَيْهِم بمُسيْطِر} . (نَحن أعلم بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْت