بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، إلَّا مَا مَنَعَ مِنْهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ.

فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْلِمُ - وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً - أَنَّ مَنْ اسْتَنْصَرَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ الذِّمَّةِ يُؤْذُونَ مُسْلِمًا، أَوْ ذِمِّيًّا فِيمَا لَا يَحِلُّ، فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِمَا، وَإِنْ هَلَكَ، لَكِنْ يَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى - وَإِنْ تَلِفَتْ نَفْسُهُ وَأَهْلُهُ وَمَالُهُ - أَوْ يُقَاتِلُ حَتَّى يَمُوتَ شَهِيدًا كَرِيمًا، فَالْمَوْتُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَدَّى أَحَدًا أَجَلُهُ. بُرْهَانُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ ظُلْمًا عَنْ نَفْسِهِ بِظُلْمٍ يُوصِلُهُ إلَى غَيْرِهِ - هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. (?)

القول الثاني: ذهب الحنفية إلى جواز الاستعانة بغير المسلمين على بغاة المسلمين، ولكنهم اشترطوا أن يكون حكم الإسلام هو الظاهر.

قال السرخسي الحنفي:"وَإِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ حَتَّى أَلْجَؤُهُمْ إلَى دَارِ الشِّرْكِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ أَهْلَ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الشِّرْكِ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الظَّاهِرُ.

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْخَوَارِجِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِمْ بِالْكِلَابِ." (?)

وقال الكمال بن الهمام:"وَلَوْ ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَأَلْجَئُوهُمْ إلَى دَارِ الشِّرْكِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا الْبُغَاةَ مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الشِّرْكِ ظَاهِرٌ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِأَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِالْبُغَاةِ وَالذِّمِّيِّينَ عَلَى الْخَوَارِجِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِمْ بِالْكِلَابِ." (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015