بِمَنْعِهِ الْحَقَّ وَبَسْطِهِ يَدَ الظُّلْمِ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا مَضَى أَنَّهُمْ إِذَا قَدِمُوا بَلَدًا أَتَاهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ فَاسْتَعَانُوا بِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهِمْ لِعِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالْجِبَايَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَلَا خِيرَةَ وَلَا تَدْبِيرَ فِيمَا يَغْضَبُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُدَّةٌ وَقَدْ قَضَاهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَلَا أَعْلَمَنَّ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعُمَّالِ أَبْقَى فِي عَمَلِهِ رَجُلًا مُتَصَرِّفًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَّا نَكَّلْتُ بِهِ، فَإِنَّ مَحْوَ أَعْمَالِهِمْ كَمَحْوِ دِينِهِمْ، وَأَنْزِلُوهُمْ مَنْزِلَتَهُمُ الَّتِي خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهَا مِنَ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ، وَآمُرُ بِمَنْعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنَ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ إِلَّا عَلَى الْأُكُفِ، وَلْيَكْتُبْ كُلٌّ مِنْكُمْ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ عَمَلِهِ.
وَكَتَبَ إِلَى حَيَّانَ، عَامِلِهِ عَلَى مِصْرَ بِاعْتِمَادِ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ إِنْ دَامَ هَذَا الْأَمْرُ فِي مِصْرَ أَسْلَمَتِ الذِّمَّةُ، وَبَطَلَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا وَقَالَ لَهُ: اضْرِبْ حَيَّانَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثِينَ سَوْطًا أَدَبًا عَلَى قَوْلِهِ، وَقُلْ لَهُ: مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَضَعْ عَنْهُ الْجِزْيَةَ، فَوَدِدْتُ لَوْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا دَاعِيًا لَا جَابِيًا.
وَأَمَرَ أَنْ تُهْدَمَ بِيَعُ النَّصَارَى الْمُسْتَجَدَّةُ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ تَوَصَّلُوا إِلَى بَعْضِ مَلُّوكِ الرُّومِ وَسَأَلُوهُ فِي مُكَاتَبَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ يَا عُمَرُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الشَّعْبَ سَأَلُوا فِي مُكَاتَبَتِكَ لِتُجْرِيَ أُمُورَهُمْ عَلَى مَا وَجَدْتَهَا عَلَيْهِ، وَتُبْقِيَ كَنَائِسَهُمْ، وَتُمَكِّنَهُمْ مِنْ عِمَارَةِ مَا خَرُبَ مِنْهَا، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ مَنْ تَقَدَّمَكَ فَعَلَ فِي أَمْرِ كَنَائِسِهِمْ مَا مَنَعْتَهُمْ مِنْهُ، فَإِنْ كَانُوا مُصِيبِينَ فِي اجْتِهَادِهِمْ فَاسْلُكْ سُنَّتَهُمْ، وَإِنْ يَكُونُوا مُخَالِفِينَ لَهَا فَافْعَلْ مَا أَرَدْتَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَنْ تَقَدَّمَنِي كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء:78 - 79].
وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ فِي عَمَلِكَ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا يَتَصَرَّفُ فِي مَصَالِحِ الْإِسْلَامِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:57]،فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَادْعُ حَسَّانَ بْنَ زَيْدٍ - يَعْنِي: ذَلِكَ الْكَاتِبَ - إِلَى