يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَقِبَ صَلاَةِ الخَوْفِ نَظَراً لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّخْفِيفِ فِي أَرْكَانِهَا، وَمِنَ الرُّخْصَةِ فِي الذَّهَابِ وَالإِيابِ فِيهَا مِمَّا لاَ يُوَجُد فِي غَيْرِهَا. فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ، وَاطْمَأَنَّ المُسْلِمُونَ فَعَلَيهِمْ إِقَامَةُ الصَّلاَةِ وَإِتْمَامُها بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، لأنَّ الصَّلاَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتُقَامَ فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ، لاَ بُدَّ مِنْ أَدَائِها فِيها، عَلَى قَدَرِ الإِمْكَانِ.
وَقَدْ جُعِلَتِ الصَّلاَةُ مَوْقُوتَةً لِتَكُونَ مُذَكرِّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ فِي الأَوْقَاتِ المُخْتَلِفَةِ، لِئَلاَّ تَحْمِلَهُمُ عَلى إِتْيَانِ الشَّرِّ، أَوْ التَّقْصِيرِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ. (?)
وَلْنَذْكُرْ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَوَّلًا قَبْلَ ذِكْرِ صِفَتِهَا:
عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء:101] ثُمَّ انْقَطَعَ الْوَحْي. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ، غَزَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -،فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَمْكَنَكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ هَلَا شَدَدْتُمْ