أما الصائل على المال أو النفس فيجب دفعه عند جمهور العلماء، ويتفق مع الرأي الراجح في مذهبي مالك والشافعي ولو أدى إلى قتل الصائل المسلم، ففي الحديث الصحيح عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (?)
قال الجصاص بعد هذا الحديث:"فَأَخْبَرَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الدَّافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ شَهِيدٌ, وَلَا يَكُونُ مَقْتُولًا دُونَ مَالِهِ إلَّا وَقَدْ قَاتَلَ دُونَهُ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:"مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَاكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" فَأَمَرَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ, وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَغْيِيرُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُقْتَضَى ظَاهِرُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ رَجُلًا لَوْ شَهَرَ سَيْفَهُ عَلَى رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْلَهُ, فَكَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ قَتْلُهُ; وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْخَوَارِجَ حِينَ قَصَدُوا قَتْلَ النَّاسِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ مُوَافِقُونَ لَهُ عَلَيْهِ." (?)
وقال الشوكاني:"وَأَحَادِيثُ الْبَابِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْمَقْتُولَ دُونَ مَالِهِ وَنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَدِينِهِ شَهِيدٌ، وَمُقَاتِلُهُ إذَا قُتِلَ فِي النَّارِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُحِقٌّ وَالثَّانِي مُبْطِلٌ" (?)
وقال ابن تيمية:" وَقَدْ اسْتَقَرَّتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ عُقُوبَةَ الْمُرْتَدِّ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: مِنْهَا: أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ، وَلَا تُعْقَدُ لَهُ ذِمَّةٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِتَالِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَة، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ.
وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ، وَلَا يُنَاكَحُ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا كَانَتْ الرِّدَّةُ عَنْ أَصْلِ الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ الْكُفْرِ بِأَصْلِ الدِّينِ، فَالرِّدَّةُ