قَالُوا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُسْلِمًا فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُؤْثِرُهُ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكَذَا لَا يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ بَهِيمَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(أَمَّا) إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مُضْطَرًّا فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْخُذَهُ قَهْرًا وَلَهُ مُقَاتَلَةُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَتَى الْقِتَالُ عَلَى نَفْسِ الْمَالِكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ فِي الدَّفْعِ عَنْ طَعَامٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ فَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَضْمَنُ لَكَانَ مَذْهَبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي الْقَدْرِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَالِكَ بَذْلُهُ وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ عَلَيْهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ (وَالثَّانِي) قَدْرُ الشِّبَعِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ الْأَخْذُ قَهْرًا وَالْقِتَالُ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ (وَالْأَصَحُّ) هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذُ قَهْرًا وَلَا يَجِبُ الْقِتَالُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ دَفْعُ الصَّائِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَخَصَّ الْبَغَوِيّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَوْفٌ فِي الْأَخْذِ قَهْرًا قَالَ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَالِكِ بَذْلَهُ لِلْمُضْطَرِّ فَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بذله مجانا ولا يلزم المضطر شئ كما يأكل الميتة بلا شئ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ إلَّا بِعِوَضٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ (?)
وقال الزركشي:"الْإِيثَارُ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بِالشَّيْءِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَعَكْسُهُ الْأَثَرَةُ: وَهِيَ اسْتِئْثَارُهُ عَنْ أَخِيهِ بِمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: - صلى الله عليه وسلم - «سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً» وَالْإِيثَارُ ضَرْبَانِ: (الْأَوَّلُ):أَنْ يَكُونَ فِيمَا لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ، فَهُوَ مَطْلُوبٌ كَالْمُضْطَرِّ يُؤْثِرُ بِطَعَامِهِ غَيْرَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْلِمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]،كَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَالْإِمَامِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَغَيْرِهِمْ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي الْمَنْعَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ (الْبُغَاةِ) فِي كَلَامِهِ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ مُضْطَرًّا، وَوَلَدُهُ مُضْطَرٌّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُ الطَّعَامِ لَهُ انْتَهَى. وَغَيْرُ الْوَلَدِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ وَأَهْلُهُ مُضْطَرِّينَ، وَمَعَهُ طَعَامٌ قَلِيلٌ