عَمَّا ذُكِرَ إذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ مَنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَمَلَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَادِيثَ الْبَابِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي لِلنَّاسِ فِيهَا إمَامٌ وَأَمَّا حَالَةُ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَلِيَسْتَسْلِمْ الْمَبْغِيُّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَلَا يُقَاتِلْ أَحَدًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، يَعْنِي: حَدِيثَ الْبَابِ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْمَقْتُولَ دُونَ مَالِهِ وَنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَدِينِهِ شَهِيدٌ، وَمُقَاتِلُهُ إذَا قُتِلَ فِي النَّارِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُحِقٌّ وَالثَّانِي مُبْطِلٌ" (?)
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَذَهَبَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى وُجُوبِ نُصْرَةِ الْحَقِّ وَقِتَالِ الْبَاغِينَ. وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ ضَعُفَ عَنْ الْقِتَالِ أَوْ قَصُرَ نَظَرُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ. قَالَ: وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ مَنْعِ الطَّعْنِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عُرِفَ الْمُحِقُّ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ، وَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَادِ، بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَرُ أَجْرًا وَاحِدًا، وَأَنَّ الْمُصِيبَ يُؤْجَرُ أَجْرَيْنِ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ اخْتِلَافٍ يَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْهَرَبَ مِنْهُ بِلُزُومِ الْمَنَازِلِ وَكَسْرِ السُّيُوفِ لَمَا أُقِيمَ حَقٌّ وَلَا أُبْطِلَ بَاطِلٌ، وَلَوَجَدَ أَهْلُ الْفُسُوقِ سَبِيلًا إلَى ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَسَبْي الْحَرِيمِ بِأَنْ يُحَارِبُوهُمْ، وَيَكُفَّ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ وَيَقُولُوا: هَذِهِ فِتْنَةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ الْقِتَالِ فِيهَا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَمْرِ بِالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى» النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ " فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» (?)