والْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعَمَل بِالْبِدْعَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا:
ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْبِدْعِيَّ الدَّاعِيَةَ يُمْنَعُ مِنْ نَشْرِ بِدْعَتِهِ، وَيُضْرَبُ وَيُحْبَسُ بِالتَّدَرُّجِ، فَإِذَا لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذَلِكَ جَازَ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَزَجْرًا؛ لأَِنَّ فَسَادَهُ أَعْظَمُ وَأَعَمُّ، إِذْ يُؤَثِّرُ فِي الدِّينِ وَيُلَبِّسُ أَمْرَهُ عَلَى الْعَامَّةِ. وَنُقِل عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَوْ مُؤَبَّدًا حَتَّى يَكُفَّ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى بِدْعَتِهِ وَلاَ يُقْتَل، وَبِهَذَا قَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ (?).
قلت: وهذا حسب نوع البدعة وخطورتها وجسامتها على الفرد والمجتمع
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَبْسِ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ وَضَرْبِهِ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ مَعَهُ الْبَيَانُ وَالنُّصْحُ، وَقَال آخَرُونَ: يُعَزَّرُ.
وَاتَّجَهَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ قَتْلِهِ إِذَا لَمْ يَتُبْ. وَقَدْ حَبَسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَبِيغَ بْنَ عِسْلٍ وَضَرَبَهُ مِرَارًا لِتَتَبُّعِهِ مُشْكِل الْقُرْآنِ وَمُتَشَابِهَهُ بِقَصْدِ إِرْسَاءِ مَبْدَأِ الاِبْتِدَاعِ وَالْكَيْدِ فِي الدِّينِ مُخَالِفًا بِذَلِكَ قَوَاعِدَ التَّسْلِيمِ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا كَانَ يَفْعَل الصَّحَابَةُ. فعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي غُنَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: صَبِيغُ بْنُ عِسْلٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَكَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ مُتَشَابَهِ الْقُرْآنِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخِيلِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ قَالَ: مِنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغُ، قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ وَأَوْمَأَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِتِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَمَا زَالَ يَضْرِبُهُ حَتَّى شَجَّهُ وَجَعَلَ الدَّمَ يَسِيلُ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ وَاللَّهِ ذَهَبَ الَّذِي أَجِدُ فِي رَأْسِي " (?)