الأَْصْل أَنْ تُحَدَّدَ مُدَّةُ الْحَبْسِ عِنْدَ الْحُكْمِ. وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ أَجَازَ الْفُقَهَاءُ إِبْهَامَ الْمُدَّةِ وَعَدَمَ تَعْرِيفِ الْمَحْبُوسِ بِهَا، وَتَعْلِيقَ انْتِهَائِهَا عَلَى تَوْبَتِهِ وَصَلاَحِهِ، وَذَلِكَ مِنْ مِثْل: حَبْسِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَبِيعُ الْخَمْرَ حَتَّى يَتُوبَ. وَحَبْسِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَتَجَسَّسُ لِلْعَدُوِّ. وَحَبْسِ الْمُخَنَّثِ وَالْمُرَابِي. وَحَبْسُ الْبُغَاةِ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُمْ. وَمَنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِحَدِّ الْخَمْرِ فَلِلْوَالِي حَبْسُهُ حَتَّى يَتُوبَ. (?)

الْحَبْسُ الْمُؤَبَّدُ:

ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ وَقَائِعَ وَنُصُوصًا تَدُل عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ، مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَبَسَ ضَابِئَ بْنَ الْحَارِثِ حَتَّى مَاتَ فِي سِجْنِهِ (?).وَأَنَّ عَلِيًّا قَضَى بِحَبْسِ مَنْ أَمْسَكَ رَجُلاً لِيَقْتُلَهُ آخَرُ أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى الْمَوْتِ. (?)

وقال ابن حزم:" فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّكُمْ تَقُولُونَ فِيمَنْ أَمْسَكَ آخَرَ لِلْقَتْلِ فَقُتِلَ: إنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ، فَهَذَا خِلَافٌ لِمَا قُلْتُمْ هَاهُنَا أَمْ لَا؟

فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -:إنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِشَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] فَكُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا يُوصَفُ بِهِ - وَكَانَ بِهِ مُتَعَدِّيًا - فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتَعَدَّى عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْمُمْسِكُ آخَرَ حَتَّى قُتِلَ، مُمْسَكٌ لَهُ، وَحَابِسٌ حَتَّى مَاتَ، وَلَيْسَ قَاتِلًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى يَمُوتَ، فَهُوَ مِثْلُ مَا اعْتَدَى بِهِ، وَلَا نُبَالِي بِطُولِ الْمُدَّةِ مِنْ قِصَرِهَا إذْ لَمْ يَأْتِ بِمُرَاعَاةِ ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ" (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015