فكما ترى فإن الإمام ابن جرير نص على أن دلالة الكفار على عوارت المسلمين داخلة في معنى اتخاذهم أولياء، وروى بسنده عَنِ السُّدِّيِّ: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:28] إِلَى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28] " أَمَّا أَوْلِيَاءَ: فَيُوَالِيهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَيُظْهِرُهُمْ عَلَى عَوْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَدْ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ يَتَّقِيَ مِنْهُمْ تُقَاةً، فَهُوَ يُظْهِرُ الْوَلَايَةَ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَالْبَرَاءَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " (?)
وعَنِ السُّدِّيِّ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [البقرة:231] قَالَ: وَمَنْ يَفْعَلْ هَذَا فَهُوَ مُشْرِكٌ" (?)
الرد على من زعم عدم ردة المظاهر إذا كان يظاهرهم للدنيا:
وقد ذهب بعض العصريين إلى أن مظاهرة الكفار على المسلمين لا تكون كفراً مخرجاً من الملة إلا إذا اقترنت بمحبة ظهور دينهم على دين الإسلام، أما إذا كان المظاهر مريداً بمظاهرته شيئاً من متاع الدنيا فلا يكون بها كافراً، وهذا ضربٌ من الوهم الذي ليس من العلم والفهم في شيء، وقد تولى كثيرٌ من الفضلاء النبلاء الرد على هذه الشبهات المختلقة عصرياً وفندوها وبددوها، كي لا يتخذها الطغاة ملجأً وملاذاً يعتصمون به عند محاربتهم للإسلام والمسلمين بمظاهرتهم للكفرة المجرمين محتجين بأن المصالح الدنيوية تقتضي ذلك.
قال الإمام البغوي -رحمه الله -:قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} أَيْ مُوَالَاةَ الْكُفَّارِ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ إِلَيْهِمْ وَإِظْهَارِهِمْ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [أَيْ لَيْسَ مِنْ دِينِ اللَّهِ فِي شَيْءٍ] (?)
فكلامه -رحمه الله - صريحٌ في أن نقل الأخبار إلى الكفار وإطلاعهم على عورات المسلمين يعد موالاةً لهم، وأن مَن فعل ذلك فليس هو من دين الله في شيء لارتداده عن الإسلام.
وقال الخازن -رحمه الله- في الآية: [وقوله: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ يعني أنصارا وأعوانا من دون المؤمنين يعني من غير المؤمنين، والمعنى لا يجعل المؤمن ولايته لمن هو غير مؤمن نهى الله المؤمنين أن يوالوا الكفار أو يلاطفوهم لقرابة بينهم أو محبة أو معاشرة، والمحبة