بِالْمُثْقَلِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ تَعْزِيرًا، وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي هَذَا، وَلَا الْقِصَاصَ فِي هَذَا، وَصَاحِبَاهُ يُخَالِفَانِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُمَا مَعَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ." (?)
وَأَبْعَدُ الْأَئِمَّةِ مِنْ التَّعْزِيرِ بِالْقَتْلِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ، كَقَتْلِ الْمُكْثِرِ مِنْ اللِّوَاطِ، وَقَتْلِ الْقَاتِلِ بِالْمُثْقَلِ. وَمَالِكٌ: يَرَى تَعْزِيرَ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ بِالْقَتْلِ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَيَرَى أَيْضًا هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: قَتْلَ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدْعَةِ. (?)
وأرى اندراج هذه المسألة، وخاصة فيما يخص الوضع في فلسطين وغيرها، ضمن إطار السياسة الشرعية التي تعتمد مبدأ المصلحة العامة للمسلمين والضرورة القصوى ميزاناً لأحكامها، فإن تجسس مسلم على الأمة لصالح عدوها الصهيوني كان لجماعة المسلمين أن تعاقبه العقوبة المناسبة التي قد تصل إلى القتل، صيانة لأمن الأمة من كيد الخائنين والأعداء، مع مراعاة الظروف والأحوال المكتنفة لقضيته ودوافعه إلى ذلك، فقد يكون الدافع الخوف أو الضعف البشري، وقد يكشف أمره قبل أن يبوح بشيء من أخبارنا أو بعد مرة واحدة دون تكرار، فلا يترتب على فعله ضرر كبير من قتل عدد من المسلمين أو التفريط بشيء من الحقوق والممتلكات، وغير ذلك من الأهوال.
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن الوقاية من الوقوع في فخ العمالة للعدو من خلال الإعداد السليم والتنشئة الإسلامية القويمة، وبث الوعي الأمني لدى صفوف الشباب، وتحصينهم من الإغراءات، ومحاربة الإشاعة في صفوف الأمة يسهم إلى حد كبير في حسم هذه المسألة واجتثاثها من جذورها الفاسدة. ولا بد في هذه المسألة الحساسة من التثبت من وجودها فيمن يرتاب في أمره، وذلك بوسائل الإثبات الشرعية المعروفة وعدم التسرع أو التساهل في إطلاق أحكام مثل العمالة والخيانة على أحد من الناس وخاصة المسلمين قبل التأكد والتثبت من وجودها، لما هو معلوم من سعي العدو لبث مثل هذه الشائعات في أوساط المسلمين، وإلصاق تهمة الخيانة بأشخاص أبرياء ربما رفضوا يوماً ما