بالقرائن أضاع حقًا كثيرًا وأقام باطلًا كبيرًا، وأنه إن توسع وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع فى أنواع من الظلم والفساد.] (?)

صفوة القول

فالخلاصة أن مجموع الأدلة التي ذكرتها-مع أدلة غيرها- تدل على أن الشرع قد أجاز في بعض المواطن الاعتماد على قوة القرائن وتعاضد الشواهد واجتماع الأمارات في إثبات الأحكام ومعاقبة الجناة بما في ذلك القتل، وأن الأخذ بها والاستناد إليها ليس بدعاً من القول، لا سيما في المواطن التي تتعذر فيها البينة تعذراً مقطوعاً به، ويؤدي التكليف بها إلى تضييع الحقوق وإهدارها، ويقود إلى شيوع الظلم وانتشار الجرائم، وذلك لأن المجرمين سيتخذون العجز عن إقامتها ملجأً لهم يأمنون فيه من حكم الشرع، وبذلك يستشري شرهم ويتفاقم فسادهم وتتضاعف جرائمهم.

وهذا في القضايا الخاصة التي ترتبط بأشخاص بأعيانهم، أما إذا كان الضرر عاماً والفساد شاملاً والشر متعدياً -كما هو الحال في مسألة جواسيس العصر- مع عدم وجود طرق أخرى تدفع الصولة عن الإسلام والمسلمين بحيث يحفظ بها دينهم، وأنفسهم، ودماؤهم، وأعراضهم، وأموالهم حفظاً حقيقياً، وترد بها هجمة الكفرة رداً عملياً، فإن الاعتماد على القرائن وشواهد الحال ودلائل الأمارات تتعين طريقاً لإثبات التهم على هؤلاء المجرمين الصائلين المعينين للكافرين على المسلمين، الذين لم يبق بيت وبر ولا مدر إلا وتسللوا إليه ودلوا الكفرةَ عليه، ونحن نعلم قطعاً أن بعض تلك الشواهد والأمارات هي أقوى دلالة على تلبس هؤلاء بجريمة التجسس من شهادة الشهود بأضعاف مضاعفة، وأن ورود التشكيك على دلالتها معدومٌ انعداماً تاماً أو يكاد، كما أننا رأينا من خلال الواقع العملي أن اعتماد المجاهدين عليها قد كف كثيراً من شرورهم التي لم تزل تتولد وتتعدد.

فالاعتماد عليها هو أقصى ما في طوق المجاهدين، وقصارى ما يبلغه تحريهم واحتياطهم، ومنتهى ما يصل إليه جهدهم وتثبتهم، وإغلاق هذا الباب رأساً وتكليفهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015