الأديان لا شك أنه أعظم وأغلظ من الضرر في الأبدان، كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: [وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَنَّ فِي الْمُحَارِبِينَ أَنَّهُمْ إنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ، وَلَا تَنْفَعُهُمْ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَمُحَارَبَةُ الزِّنْدِيقِ لِلْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ أَعْظَمُ مِنْ مُحَارَبَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ بِيَدِهِ وَسِنَانِهِ؛ فَإِنَّ فِتْنَةَ هَذَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ وَفِتْنَةَ الزِّنْدِيقِ فِي الْقُلُوبِ وَالْإِيمَانِ، فَهُوَ أَوْلَى أَلَّا تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ؛ فَإِنَّ أَمْرَهُ كَانَ مَعْلُومًا، وَكَانَ مُظْهِرًا لِكُفْرِهِ غَيْرَ كَاتِمٍ لَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ أَخَذُوا حِذْرَهُمْ مِنْهُ، وَجَاهَرُوهُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الزِّنْدِيقَ هَذَا دَأْبُهُ دَائِمًا، فَلَوْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ لَكَانَ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى بَقَاءِ نَفْسِهِ بِالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ وَكُلَّمَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَعَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَمِنَ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْقَتْلِ، فَلَا يَزَعُهُ خَوْفُهُ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالزَّنْدَقَةِ وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ وَمَسَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَا يَنْكَفُّ عُدْوَانُهُ عَنْ الْإِسْلَامِ، إلَّا بِقَتْلِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، فَجَزَاؤُهُ الْقَتْلُ حَدًّا، وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ اتِّفَاقًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مُحَارَبَةَ هَذَا الزِّنْدِيقِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِفْسَادَهُ فِي الْأَرْضِ أَعْظَمُ مُحَارَبَةً وَإِفْسَادًا، فَكَيْفَ تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِقَتْلِ مَنْ صَالَ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِذِمِّيٍّ أَوْ عَلَى بَدَنِهِ وَلَا تَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَأْتِي بِقَتْلِ مَنْ دَأْبُهُ الصَّوْلُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَالطَّعْنُ فِي دِينِهِ وَتَقْبَلُ تَوْبَتَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؟ وَأَيْضًا فَالْحُدُودُ بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ وَالْمَفَاسِدِ، وَجَرِيمَةُ هَذَا أَغْلَظُ الْجَرَائِمِ، وَمَفْسَدَةُ بَقَائِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.] (?)
ومن هذه الحيثية فإن الأضرار التي تحصل من قبل الجواسيس قد تكون في بعض حالاتها شاملة للأبدان والأموال والأديان، وهذا ظاهرٌ ملموسٌ في حياة المسلمين لاسيما في ساحات القتال والجهاد، فبأخبارهم الخفية التي يوصلونها إلى أعداء الدين، تسفك الدماء، وتنتهك الأعراض، وتأسر الخيار، وتدمر البيوت والمراكز، وتحرق القرى، وفوق ذلك تحفظ ثكنات الكفرة، ومؤسساتهم، التي تبث الكفر والإلحاد والمجون والانحلال ليلاً ونهاراً، حيث نشروا حولها مئات الجواسيس وفرقوهم كالجراد المنتشر، وليس فيما أذكره