أَخْبَارَهُمْ لِلْعَدُوِّ فَالْجَاسُوسُ رَسُولُ الشَّرِّ ضِدَّ النَّامُوسَ فَإِنَّهُ رَسُولُ الْخَيْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْجَاسُوسُ عِنْدَنَا تَحْتَ الذِّمَّةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْعَدُوِّ يُكَاتِبُهُمْ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا عَهْدَ لَهُ أَوْ دَخَلَ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أُمِّنَ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَا يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ عَيْنًا وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ سَحْنُونَ إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ وَمَحَلَّ جَوَازِ قَتْلِهِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حِينَئِذٍ حُكْمَ الزِّنْدِيقِ أَيْ فَيُقْتَلُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ .. ] (?)
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن وجوب قتل الزنديق وإن تاب بعد القدرة هو قول أكثر الفقهاء ففي ذلك يقول: [وَأَمَّا قَتْلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ كُفْرًا مِنْهُ، وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ الزِّنْدِيقَ، فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا مِنْهُمْ إلَى الضَّلَالِ لَا يَنْكَفُّ شَرُّهُ إلَّا بِقَتْلِهِ، قُتِلَ أَيْضًا، وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَأَئِمَّةِ الرَّفْضِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ، كَمَا قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ، وَالْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ الدُّعَاةِ. فَهَذَا الدَّجَّالُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.] (?)
ويلاحظ هنا أن عبارة مختصر خليل عند كلامه عن العين وهو الجاسوس: (والمسلم كالزنديق) والتشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، أي أن حكم المسلم العين كحكم الزنديق وهو ما نقلته أعلاه، فهو هنا لم ينظر إلى مسألة إسلامه من عدمه لأنه شبهه بالزنديق في الحكم ولم يجعله زنديقاً، فكلامه منصب على مسألة قتله وقبول توبته من عدمها لا في أصل الكفر كما هو ظاهر من عبارات الشراح قال الشيخ عليش: [(وَالْمُسْلِمُ) الْعَيْنُ (كَالزِّنْدِيقِ) أَيْ الَّذِي أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَخْفَى الْكُفْرَ فِي تَعَيُّنِ قَتْلِهِ وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بَعْدَ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ وَقَبُولِ تَوْبَتِهِ إنْ أَظْهَرَهَا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ] (?)
إلا أن العلامة ابن عاشور قد نسب لابن القاسم أن هذا الفعل عينَه زندقة فقال: [مُوَالَاةُ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ بِطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الِانْتِصَارِ بِالْكُفَّارِ عَلَى