وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ، فَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا صَنَعَ الطَّمَعُ، لَا خُبْثُ الِاعْتِقَادِ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ أُمِرْنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:18]. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَطْلُبَنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فِي أَخِيك سُوءًا وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمَلًا».

وَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ فَإِنَّهُ كَتَبَ إلَى قُرَيْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -،يَغْزُوكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ. . . الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -:مَهْلًا يَا عُمَرُ فَلَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ».

فَلَوْ كَانَ بِهَذَا كَافِرًا مُسْتَوْجِبًا لِلْقَتْلِ مَا تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -،بَدْرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَدْرِيٍّ. وَكَذَلِكَ لَوْ لَزِمَهُ الْقَتْلُ بِهَذَا حَدًّا مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إقَامَتَهُ عَلَيْهِ. وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1].

فَقَدْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا، وَعَلَيْهِ دَلَّ قِصَّةُ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ اسْتَشَارَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ فَأَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُمْ. وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال:27].] (?)

حتى ادعى بعض العلماء الإجماع على عدم جواز قتل الجاسوس المسلم، فقال الإمام ابن حجر -رحمه الله-: [وقَد نَقَلَ الطَّحاوِيُّ الإِجماع عَلَى أَنَّ الجاسُوس المُسلِم لا يُباح دَمه وقالَ الشّافِعِيَّة والأَكثَرُ يُعَزَّر، وإِن كانَ مِن أَهل الهَيئات يُعفَى عَنهُ. وكَذا قالَ الأَوزاعِيُّ وأَبُو حَنِيفَة يُوجَعُ عُقُوبَةً ويُطال حَبسه.] (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015