"قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَالَ قَائِلٌ: فِي حَدِيثِ يُونُسَ الَّذِي رَوَيْتَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ نُزُولَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر:5] الْآيَةَ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْقَطْعِ وَالتَّحْرِيقِ مَا كَانَ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُحَالٌ ; لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُنْزِلُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا إِلَّا مَا يُفِيدُ بِهِ أُمَّتَهُ، يَعْنِي لِيَسْتَعْمِلُوهُ فِي فَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ وَفِي تَعَبُّدِهِ إِيَّاهُمْ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَسْتَوْعِبِ السَّبَبَ الَّذِي كَانَ فِيهِ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ , وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ نُزُولِهَا مَا كَانَ مِنْ نُزُولِهَا فِيهِ عَلَيْهِمْ أَكْبَرُ الْفَائِدَةِ وَلَمْ نَجِدْهُ إِلَّا فِي حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر:5] قَالَ:"اللِّينَةُ النَّخْلُ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ قَالَ: اسْتَنْزَلُوهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ وَأُمِرُوا بِقَطْعِ النَّخْلِ فَحَكَّ فِي صُدُورِهِمْ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: قَدْ قَطَعْنَا بَعْضًا وَتَرَكْنَا بَعْضًا فَلَنَسْأَلَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،هَلْ لَنَا فِيمَا قَطَعْنَا مِنْ أَجْرٍ وَمَا عَلَيْنَا فِيمَا تَرَكْنَا مِنْ وِزْرٍ؟ فَأَنْزَلَ جَلَّ وَعَزَّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} [الحشر:5] الْآيَةَ "
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَنْزَلَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَعْلَمَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ قَطْعِهِمْ لَمَّا قَطَعُوا مِنْ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ وَتَحْرِيقِهَا مُبَاحٌ لَهُمْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ فِيهِ , وَأَنَّ الَّذِي تَرَكُوهُ مِنْهَا فَلَمْ يَقْطَعُوهُ وَلَمْ يُحَرِّقُوهُ مُبَاحٌ لَهُمْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ فِيهِ , فَبَانَ