وكذلك تجويز رمي المشركين المتترسين بالمسلمين؛ قياسا على جواز ذلك في رمي حصونهم بالمجانيق وإن كان بينهم مسلمون - كتجار وأسارى ونحوهم -وفي هذا يقول الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله:"وَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْكُفَّارِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَجَبَ جَوَازُ مِثْلِهِ إذَا تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ; لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْحَالَيْنِ رَمْيُ الْمُشْرِكِينَ دُونَهُمْ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، كَمَا أَنَّ مَنْ أُصِيبَ بِرَمْيِ حُصُونِ الْكُفَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَنَا الرَّمْي مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ، فَصَارُوا فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ". (?)

وكذلك دفع أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما، أو دفع الضرر العام بارتكاب الضرر الخاص، وهي قاعدة مُتفق عليها بين العلماء، وإن وقع الاختلاف في تنزيلها على بعض جزئياتها.

والمفسدة العظمى المدفوعة هنا؛ هي الفتنة والضرر والفساد الكبير المترتب على ترك الجهاد في سبيل الله لأجل ما بأيدي الكفار من الأسرى أو ما بينهم من التجار ونحوهم، فالأمر دائر بين الضرورة والحاجة، وفي الحالتين إنما هو دفع لأكبر المفسدتين بارتكاب أدناهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015