ومن هنا فإنني أعيد وأذكِّر بما ذكرته آنفاً؛ من أن مسألة التترس التي ذكرها الفقهاء إنما هي حالة استثنائية عارضة خارجة عن الأصل، ولذا فإن لها ظروفها وأحوالها وأحكامها الخاصة بها، وما ندَّ عن الأصل؛ يُقتصر فيه على حدوده وضوابطه من غير توسّع ولا استرسال، حتى لا ينقلب أصلاً، ومتى انقضت صورة الشذوذ، وأمكن الرجوع إلى الأصل والاستمساك به وجب ذلك، وهي داخلة في عموم القاعدة الفقهية المعروفة؛"أن الضرورة تقدر بقدرها".

فمتى التُزم بهذه الضوابط وما شاكلها من كل ما يحفظ دماء المسلمين ويقلل من إصاباتهم واستُفرغ الوسع فيها؛ فنرجوا أن لا يكون هناك بأس بالقيام بعمليات عسكرية، ولو قُتل فيها بعض المسلمين - تبعاً لا قصداً -

كما نرجوا أن يكون هؤلاء المسلمون المقتولون؛ شهداء عند الله، لأنهم إنما قُتلوا لأجل الجهاد ودفع الضرر العام عن الأمة.

كما قال شيخ الإسلام رحمه الله:"وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَيْشَ الْكُفَّارِ إذَا تَتَرَّسُوا بِمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَخِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الضَّرَرُ إذَا لَمْ يُقَاتَلُوا، وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَتَرَّسُوا بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفِي جَوَازِ الْقِتَالِ الْمُفْضِي إلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ إذَا قُتِلُوا كَانُوا شُهَدَاءَ وَلَا يُتْرَكُ الْجِهَادُ الْوَاجِبُ لِأَجْلِ مَنْ يُقْتَلُ شَهِيدًا، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا قَاتَلُوا الْكُفَّارَ فَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015