وما مُسخت صورة تلك الدول وانسلبت هويتها الإسلامية إلا بعلو الكفار وقهرهم لأهلها وإجراء أحكامهم وعقائدهم وتصوراتهم وأفكارهم ومناهجهم وعاداتهم وأعرافهم على الساكنين فيها، حتى نشأت أجيال لاتكاد تعرف من الإسلام شيئاً إلا اسمه.
بل انقلب الحال في كثير من تلك البلدان وغيرها؛ إلى أن أصبح أهلوها هم أشد عدواة للإسلام وأهله من اليهود والنصارى، وأعظم تنكيلا بالمسلمين وقهرا لهم من أعدائهم الأولين الذين داهموا تلك الديار بجيوشهم الجرارة.
بل لا ينبغي للمسلم أن يذهب بعيدا في ذلك ولا أن يضرب بعقله في أعماق الزمن ليتلمس هذه الحقيقة ويبحث عنها بكلفة وعنت، وليلتفت لفتة قصيرة إلى أفغانستان، وليقارن بين حال مدنها وسكانها - لاسيما كابول - يوم أن كانت تحت حكم إمارة أفغانستان الإسلامية وما آلت إليه اليوم، وهي تئن تحت وطأة قوات الصلبان وأعوانهم العُبدان، والأمر في ذلك لم يستغرق أكثر من أربع سنوات.
ولا يظنن ظان أن الأمر مقتصر على الإفساد الأخلاقي ونشر الإباحية والفجور والعهر فحسب، فمع عظم هذا الخطر وشدته، إلا أن الأدهى والأمر هو إنشاء جيل بل أجيال تتربى على الإعجاب العميق والتبعية التامة لأولئك المحتلين الكفرة، والافتتان بهم في عقائدهم وأفكارهم وطبائعهم، والتحلل والتنصل والتنكر لكل ما له صلة بالإسلام، بل ونصب العدواة له، وما أكثرهم اليوم لا كثرهم الله.