إِذَا خَافَ الْمُسْلِمُ الأَْسْرَ، وَعِنْدَهُ أَسْرَارٌ هَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَتَيَقَّنُ أَنَّ الْعَدُوَّ سَوْفَ يَطَّلِعُ عَلَى هَذِهِ الأَْسْرَارِ، وَيُحْدِثُ ضَرَرًا بَيِّنًا بِصُفُوفِ الْمُسْلِمِينَ وَبِالتَّالِي يُقْتَل، فَهَل لَهُ أَنْ يَقْتُل نَفْسَهُ وَيَنْتَحِرَ أَوْ يَسْتَسْلِمَ؟
لَمْ نَجِدْ فِي جَوَازِ الاِنْتِحَارِ خَوْفَ إِفْشَاءِ الأَْسْرَارِ، وَلاَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ نَصًّا صَرِيحًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
إِلاَّ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ أَجَازُوا قِتَال الْكُفَّارِ إِذَا تَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ وَلَوْ تَأَكَّدُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيُقْتَلُونَ مَعَهُمْ، بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ، وَيَتَوَقَّى الْمُسْلِمِينَ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إِذَا كَانَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً، وَعَلِمْنَا أَنَّنَا لَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ ظَفِرُوا بِنَا أَوْ عَظُمَتْ نِكَايَتُهُمْ فِينَا، وَجَعَلُوا هَذَا مِنْ تَطْبِيقَاتِ قَاعِدَةِ: (يُتَحَمَّل الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ).
وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْفُقَهَاءَ لَمْ يُجَوِّزُوا إِلْقَاءَ شَخْصٍ فِي الْبَحْرِ لِخِفَّةِ ثِقَل السَّفِينَةِ الْمُشْرِفَةِ لِلْغَرَقِ، لأَِجَل نَجَاةِ رُكَّابِهَا مَهْمَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ، إِلاَّ مَا نَقَل الدُّسُوقِيُّ الْمَالِكِيُّ عَنِ اللَّخْمِيِّ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ بِالْقُرْعَةِ. (?)