لأَِنَّ الأَْكْل لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ فَرْضٌ بِمِقْدَارِ مَا يَدْفَعُ الْهَلاَكَ، فَإِنْ تَرَكَ الأَْكْل وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدِ انْتَحَرَ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِلْقَاءَ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيل. (?)
وَإِذَا اضْطُرَّ الإِْنْسَانُ لِلأَْكْل أَوِ الشُّرْبِ مِنَ الْمُحَرَّمِ كَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ حَتَّى ظَنَّ الْهَلاَكَ جُوعًا لَزِمَهُ الأَْكْل وَالشُّرْبُ، فَإِذَا امْتَنَعَ حَتَّى مَاتَ صَارَ قَاتِلاً نَفْسَهُ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَرَكَ أَكْل الْخُبْزِ وَشُرْبَ الْمَاءِ فِي حَال الإِْمْكَانِ؛ لأَِنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي إِهْلاَكِ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} [النساء:29 - 31].وَكَذَلِكَ حُكْمُ الإِْكْرَاهِ عَلَى أَكْل الْمُحَرَّمِ، فَلاَ يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ الاِمْتِنَاعُ مِنْ أَكْل الْمَيْتَةِ أَوِ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فِي حَالَةِ الإِْكْرَاهِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْشْيَاءَ مِمَّا يُبَاحُ عِنْدَ الاِضْطِرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119] وَالاِسْتِثْنَاءُ مِنَ التَّحْرِيمِ إِبَاحَةٌ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الاِضْطِرَارُ بِالإِْكْرَاهِ، وَلَوِ امْتَنَعَ عَنْهُ حَتَّى قُتِل يُؤَاخَذُ بِهِ وَيُعَدُّ مُنْتَحِرًا، لأَِنَّهُ بِالاِمْتِنَاعِ عَنْهُ صَارَ مُلْقِيًا نَفْسَهُ إِلَى التَّهْلُكَةِ. (?)