نَفْسَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّارِفَ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا قَائِمٌ، وَهُوَ الْأَلَمُ الشَّدِيدُ وَالذَّمُّ الْعَظِيمُ، وَالصَّارِفُ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآخِرَةِ قَائِمٌ، وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْعَذَابِ الْعَظِيمِ، وَإِذَا كَانَ الصَّارِفُ خَالِصًا امْتَنَعَ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يُذْكَرَ هَذَا النَّهْيُ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ مَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْهِنْدِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مَعَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، قَدْ يَلْحَقُهُ مِنَ الْغَمِّ وَالْأَذِيَّةِ مَا يَكُونُ الْقَتْلُ عَلَيْهِ أَسْهَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ نَرَى كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ يَقْتُلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ فَائِدَةٌ، وَأَيْضًا فَفِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَفْعَلُوا مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْقَتْلَ: مِنَ الْقَتْلِ وَالرِّدَّةِ وَالزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ وَلِأَجْلِ رَحْمَتِهِ نَهَاهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ مَشَقَّةً أَوْ مِحْنَةً، وَقِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِقَتْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ لِيَكُونَ تَوْبَةً لَهُمْ وَتَمْحِيصًا لِخَطَايَاهُمْ وَكَانَ بِكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ رَحِيمًا، حَيْثُ لَمْ يُكَلِّفْكُمْ تِلْكَ التَّكَالِيفَ الصَّعْبَةَ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِيهِ مَسَائِلَ: