عِبَادَةً وَجَائِزًا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي فَكِّ الْمُسْلِمِ عَنْ رِقِّ الْكَافِرِ وَذُلِّهِ" (?)
ويُندب إلى وقف الأوقاف وحبس أصول الأموال على ما من شأنه فكاك الأسرى، حتى ينفق من خراج الوقف على كل أسير يقع في أيدي الأعداء إلى يوم يقوم الأشهاد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"مَعَ أَنَّ فِكَاكَ الْأَسَارَى مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ وَبَذْلَ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ" (?)
مَسْأَلَةٌ: فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى فِكَاكِ الْأَسْرَى؛ وَإِذَا اُسْتُدِينَ بِمَالٍ فِي ذِمَمِ الْأَسْرَى بِخَلَاصِهِمْ لَا يَجِدُونَ وَفَاءَهُ: هَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ مِنْ الْوَقْفِ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَدَانَهُ وَلِيُّ فِكَاكِهِمْ بِأَمْرِ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ؟
الْجَوَابُ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ الطَّرِيقُ فِي خَلَاصِ الْأَسْرَى أَجْوَدُ، مِنْ إعْطَاءِ الْمَالِ ابْتِدَاءً لِمَنْ يَفْتِكُهُمْ بِعَيْنِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُخَافُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُصْرَفُ فِي غَيْرِ الْفِكَاكِ. وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مَصْرُوفٌ فِي الْفِكَاكِ قَطْعًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصْرَفَ عَيْنُ الْمَالِ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ، أَوْ يُصْرَفَ مَا اُسْتُدِينَ، كَمَا «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَارَةً يَصْرِفُ مَالَ الزَّكَاةِ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَتَارَةً يَسْتَدِينُ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ» ثُمَّ يَصْرِفُ الزَّكَاةَ إلَى أَهْلِ الدَّيْنِ. فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرْفَ وَفَاءً كَالصَّرْفِ لِأَدَاءٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (?)
ولتحقيق ذلك يُندَب المسلمون إلى الإثخان في العدو وأسر من يمكن أسره من رجالهم لمفاداة المؤمنين بهم، فإذا وقع في أيدي المسلمين أسير من أهل الحرب وأمكن أن يفادى به أسير مسلم أو أكثر تعين العمل على ذلك، ولا مندوحة عنه.
قال الحافظ ابن حَجَر:"ولَو كانَ عِند المُسلِمِينَ أَسارَى وعِند المُشرِكِينَ أَسارَى واتَّفَقُوا عَلَى المُفاداة تَعَيَّنَت، ولَم تَجُز مُفاداة أَسارَى المُشرِكِينَ بِالمالِ." (?)