وصاحبة التاريخ الطويل الثقيل في العبث والمجون، فإذا بالكاتب يراها كما وصفها وقد صحت من غفوتها، وأفاقت من غمرتها، وتابت وأنابت، فصار فيها من يعنى بأمر الأخلاق، ومن يذكر بجلال البارئ الخلاق؛ لأنهم عرفوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، وأعطتهم المحن المتلاحقة والنكبات المتلاصقة دروسا لا تُنسى تعلموا منها أن الاعتماد على قوة الأرض، والاغترار بسلطان الإنسان، باطل وزور، وأن الخير كل الخير في الإيمان بالله الذي إليه تصير الأمور!..
وهذا سباح مصري عالمي، وهو ضابط رياضي مثقف، درس ورحل، واختلط بهؤلاء وأولئك، وخالط المدنية الحديثة والحضارة الغربية المعاصرة، ولم ينشأ في رحاب ديني أو وسط "سني"، وقد أراد أن يكسب لأمته فخرا يرفع رأسها بين الأمم في ميدان الرياضة التي يدعو إليها الإسلام، ويحرض عليها؛ لتكون إعدادا للجندية المجاهدة في سبيل الله، فعبر بحر "المانش" الرهيب الصاخب من الشاطئ الإنجليزي إلى الشاطئ الفرنسي، وتعرض لأهوال البحر ومخاوف الغرق، وطغيان الأمواج وتأثير الأملاح، وذبذبات المد والجزر، وبرودة الجو ووحوش الماء، وكان كلما خارت منه القوى، وأحدق به الخطر، وداعبه اليأس والقنوط، لا يلجأ إلى قوارب النجاة ولا يستعين بمن خلفه من مراقبين، ولا يعلن فشله وإفلاسه، بل كان يلجأ إلى سلاح أقوى وأعلى، ويستمد العون والمدد من مصدر أغنى وأسمى، كان يستلهم النصرة والتأييد من ربه العزيز المجيد، فكان كما أذاعت الأنباء يتلو القرآن الكريم وسط الأمواج بصوت مسموع، ويناجي ربه بدعاء مرفوع، وكان كما يقول كلما تلا آية أو ردد دعوة، ازداد قوة وامتلأ همة، وأيقن أنه سيصل وسينتصر بفضل الله، وقد كان، فوصل، وانتصر، وقرر أن الفضل في الانتصار يرجع إلى عون العزيز القهار، وكذلك تكون قوة الإيمان بالله في