خير منك إلى من هو أسوأ مني، ومع ذلك أمره باللين والتلطف، لقد بعث الله موسى وهارون وهما خير منك بلا نزاع، إلى فرعون وهو أسوأ مني بلا جدال، ومع ذلك أمرهما بقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .
ومن بعد موسى وهارون وغيرهما يقبل شيخ الأنبياء وإمام المرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو القدوة الطيبة والأسوة الحسنة في هذا الباب، فهو الذي قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا، ولا تعسروا"1، وحينما طلب منه بعض أصحابه أن يلعن المشركين أبي وقال: "إني لم أبعث لعانا، وإنما بعثت هاديا ورحمة" 2، ولما طلب منه أن يدعو على المشركين؛ ليهكوا أبي وقال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا" 3، وترجم القرآن عن هذه المثالية الرائعة في لين الدعوة ورحمة الداعية فقال للرسول -صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 4.
وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 5.
وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 6.