رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 1.
وفي هذا النص الإلهي المجيد حدَّد الخالق سبحانه ثلاثة وسائل للدعوة؛ هي الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن؛ وكأنه أراد أن يكون كل منها لمستوى من المستويات، أو لحالة من الحالات، فالحكمة هي القول العلمي الدقيق البليغ، المشتمل على الحجة المقنعة والبرهان الساطع والدليل الواضح، وكأنه وسيلة الإقناع بالحكمة تناسب الذين يطيقونها ذهنيًّا وفكريًّا من المتعلمين والمثقفين، والموعظة الحسنة هي الكلام الرقيق اللطيف، الذي يقوي حوافز الخير وعواطف البر ومشاعر الإنسانية الرفيعة التي تعمر دنياها بالمحبة والمودة وحسن المعاملة، وكأن هذه الوسيلة تناسب جمهور الناس الذين إذا جاءتهم الموعظة الحسنة اللينة أحيت مَوَات قلوبهم، وذكرتهم بربهم، وحملتهم برقة ولطف على سواء السبيل، ثم تأتي المجادلة بالتي هي أحسن، وهي المحاورة الهادئة الرزينة التي تصور أحسن الطرق للمناقشة، بلا عنف ولا تعنت ولا شطط، وهذه الوسيلة تكون مع المخالف في الاتجاه أو الاعتقاد، وهكذا أراد الله -جل جلاله- بمن يصلح للدعوة ويقتدر عليها أن يعرف حدودها وقيودها، وأن يلتزم وسائلها الرشيدة من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فلا ينحرف عنها ولا يجور فيها، ولا يجاوزها إلى ادعاء ما ليس له من جموح أو تطاول، بل هو يبين ويوضح ويدلل بأرق الوسائل وألطف الأساليب، دون لَجاجة أو مهاترة أو عدوان، والله بعد ذلك هو المتصرف في عباده، المسئول عن