"أيها الناس إنكم لم تُخلَقوا عبثًا ولم تتركوا سدى، وإن لكم معادًا يحكم الله فيه بينكم، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض واعملوا أن الأمان غدًا لمن خاف ربه وباع قليلًا بكثير، وفانيًا بباقٍ، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلفكم من بعدكم الباقون حتى تردوا إلى خير الوارثين؟ ثم أنتم في كل تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه وبلغ أجله ثم تغيبونه في صدع من الأرض، ثم تدعونه غير موسر ولا ممهد، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وواجه الحساب. غنيًّا عما ترك، فقيرا إلى ما قدم، وايم الله إني لا أقول لكم هذه المقالة ما أعلم أحدًا منكم من الذنوب مما عندي- فأستغفر الله لي ولكم".
نلاحظ في هذه الخطبة -على قصرها- اشتمالها على مقدمة تشد الانتباه إلى موضوعها بما فيها من تذكير قوي بحقيقة خلق الإنسان، فالناس لم تخلق عبثًا، ولهم موعد سوف يُحاسَبون فيه على كل ما جنته أيديهم ثم يأتي عرض الفكرة وتوضيحها، فالمعاد وهو يوم الحساب يكون بعده جنة ونار، فأما من يعصي ربه فقد حرم الجنة، وأما من خاف ربه ففي رحمة الله، ويستعين الخليفة في تذكير الناس ووعظهم بتجارب الحياة المحسوسة فيقول لهم إن الموت يتخطف أحبابنا من حولنا، فماذا يكون مصيرهم؟ حفرة من الأرض يلقون فيها وقد انقطع ما بينهم وبين كل من في الدنيا وما فيها من أسباب.. ولم يبقَ لهم إلا العمل الصالح ينجيهم من العذاب.