خطبة لعمر يبين فيها وجوب شكر الله:

"واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم، واستتموا نعمة الله عليكم، في مجالسكم مثنى وفرادى؛ فإن الله عز وجل قال لموسى: {أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} ، وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} .

"فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شبعة من الحق، تؤمنون بها، وتستريحون إليها، مع المعرفة بالله ودينه، وترجون بها الخير فيما بعد الموت؛ لكان ذلك، ولكنكم كنتم أشد الناس معيشة، وأثبتهم بالله جهالة، فلو كان هذا الذي انتشلكم منه لم يكن معه حظ في دنياكم، غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد والمنقلب، وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه أحرياء أن تشحوا على نصيبكم منه، وأن تظهروه على غيره، فالله قد جمع لكم فضيلة الدنيا وكرامة الآخرة، ومن شاء أن يجمع له ذلك منكم. فأذكركم الله الحائل بين قلوبكم إلا ما عرفتم حق الله فعملتم له، وقسرتم أنفسكم على طاعته، وجمعتم مع السرور بالنعم خوفا لها ولانتقالها، ووجلا منها ومن تحويلها؛ فإنه لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها، وإن الشكر أمنُّ للغير، ونماء للنعمة، واستيجاب للزيادة، هذا لله علي من أمركم ونهيكم واجب".1

يبين عمر -رضي الله عنه- أن شكر الناس لله على نعمه التي لا تحصى لا يستطاع إلا بعون من الله ورحمته ولطفه، ويحث الناس على شكر الله على نعمه التي أعمها عليهم، كما بين لهم المعاني الخلقية التي يشتمل عليها مفهوم شكر الله، ويذكرهم بما يضمن لهم السعادة في الدنيا والآخرة، فإن استمرار هذه السعادة موقوف على عرفان المعروف والشكر عليه، ثم لا شيء يسلب النعمة سوى إغفال الشكر لله عليها. وهو يمزج بين الموعظة وما يكمن فيها من إيمان نقي وبين الحجج العقلية؛ ليصل إلى صلاح أمر الناس صلاحا قائما على إدراك فضل الله، والوعي الكامل بنعمة ثم الشكر ودوام الحمد؛ ليرتبط الإنسان بربه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015