عندما نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 1 أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصفا، فصعد عليه، ثم نادى الناس، فاجتمعوا عليه، فقال: "يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ؟ قالوا نعم؛ ما جربنا عليك كذبا، قال: إني نذير لكم بيد يدي عذاب شديد".2
فما سمعنا بمثل هذا الإيجاز، ولا بمثل هذا الإعجاز، لقد جعل من خطبته قضية منطقية، ألزمهم بها الحجة، وانقطع بها ما كان يمكن أن يقوم من جدل.
فهذا قول المبلِّغ، الذي يحرص على ألا يقيم بينه وبين غايته حواجز من التكلف والصنعة، والغموض، وسبيل الرسول الذي يريد أن يصل إلى قلوب سامعيه، من أقرب سبيل، ويبلغ رسالته كأحسن ما يكون التبليغ.
هذا قول رجل يتذرع بما عرف قومه من صدقه وأمانته للتأثير فيهم، وترغيبهم في دعوته، وحملهم على موافقته.