إن الإسلام نهضة عامة شاملة، لم يعهد لها من قبل في العالم مثيل، وكانت الخطابة عماد هذه النهضة وأداة فعالة من أدواتها، وكانت هذه النهضة دينية في روحها وأساسها، والدين فيض من النور الإلهي والرحمة الربانية، يمتد من السماء إلى الأرض، يضيء ظلماتها، ويبدد غياهب الجهالة فيها، ويؤدي رسالته الأولى في إصلاح المجتمع البشري، وتحقيق أسباب السعادة له في حياته، وليس الإسلام دين جمود، فيقف عند المطالب الأخروية، بل جاوزها إلى تحقيق المصالح الدنيوية فكان لا بد له من أن يتعرض لكل ما به صلاح أمور البشرية، في العقيدة والتشريع والمعاملات والحكم والسياسة والاجتماع والأخلاق والفكر، ولم يدع مجتمعا إلا حض عليه، وأقام من شأنه، وطلب فيه من القول ما هو ضروري له، كخطبة الجمعة والعيدين وموقف عرفات وغيرها، ولذلك كان صاحب هذه الدعوة يمثل الإمام الهادي، والفيلسوف المشرع، والحاكم العادل، والزعيم السياسي، والقائد الحربي، والمصلح الاجتماعي، والرائد الفكري، وكذلك كان خلفاؤه من بعده.
وقد جالت خطابة هذا العصر في هذه الميادين جميعا، وإن كانت وجهتها الرئيسية وجهة دينية، وكان غرضها الأساس إقامة عمود الدين، ورفع منار الإسلام، فكانت هناك خطب دينية، شملت العقائد والدعوة إلى الإسلام، والتشريع بما فيه من تبين الحدود وإقامة معالم الحلال والحرام، والوعظ والإرشاد بما فيه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحث على مكارم الأخلاق، وتبشير وإنذار