وهذا ونحوه -عندنا1- هو الذي أدَّى إلينا أشعارهم وحكاياتهم بألفاظ مختلفة، على معانٍ متفقة. وكان أحدهم إذا أورد المعنى المقصود بغير لفظه المعهود كأنه لم يأت إلا به، "ولا عدل"2 عنه إلى غيره؛ إذ الغرض فيهما واحد, وكل واحد منهما لصاحبه مرافد. وكان أبو علي -رحمه الله- إذا عبر عن معنى بلفظ3 ما فلم يفهمه القارئ عليه, وأعاد ذلك المعنى عينه بلفظ غيره ففهمه يقول: هذا إذا رأى ابنه في قميص أحمر عرفه, فإن رآه في قميص كحلي لم يعرفه.
فأما الحكاية عن الحسن -رضي الله عنه- وقد سأله رجل عن مسألة, ثم أعاد السؤال, فقال له الحسن: لبَّكت عليَّ. أي: خلطت, فتأويله عندنا أنه أفسد المعنى الأول بشيء جاء به في القول4 الثاني. فأما أن يكون الحسن تناكر الأمر لاختلاف اللفظين "مع اتفاق"5 المعنيين فمعاذ الله, و"حاشى أبا سعيد"6. ويشبه أن يكون الرجل لما أعاد سؤاله بلفظ ثانٍ قدَّر أنه بمعنى اللفظ الأول ولم يحسن7 ما فهمه الحسن8 -رضي الله عنه- كالذي يعترف عند القاضي بما يدعي عليه, وعنده أنه مقيم على إنكاره إياه. ولهذا نظائر. ويحكى أن قومًا ترافعوا إلى الشعبي في رجل بخص عين رجل فشرقت بالدم، فأفتى في ذلك بأن أنشد بيت الراعي:
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مأوًى تبوأ مضجعا9