جاء الجيش أجمع, ولولا أنه قد كان يمكن أن يكون إنما جاء بعضه1 -وإن أطلقت المجيء على جميعه- لما كان لقولك: أجمع معنى.
فوقوع التوكيد في هذه اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله عليها, حتى إن أهل العربية أفردوا له بابًا لعنايتهم به، وكونه مما2 لا يضاع ولا يهمل مثله, كما أفردوا لكل معنى أهمهم بابًا؛ كالصفة والعطف والإضافة والنداء والندبة والقسم والجزاء, ونحو ذلك.
وبينت منذ قريب لبعض منتحلي هذه الصناعة هذا الموضع -أعني: ما في3 ضربت زيدًا, وخلق الله, ونحو ذلك- فلم يفهمه إلّا بعد أن بات4 عليه, وراض نفسه فيه, واطلع في الموضع الذي أومأت له إليه, فحينئذ ما تصوره, وجرى على مذهبه في أن لم يشكره.
واعلم أن جميع ما أوردناه في سعة المجاز عندهم واستمراره على ألسنتهم دفع أبي الحسن القياس على حذف المضاف, وإن لم يكن حقيقة. أولا5 يعلم أبو الحسن كثرة المجاز غيره, وسعة استعماله وانتشار مواقعه, كقام أخوك, وجاء الجيش, وضربت زيدًا, ونحو ذلك, وكل ذلك مجاز "لا حقيقة"6 "وهو على غاية الانقياد والاطراد. وكذلك أيضًا حذف المضاف مجاز لا حقيقة"7 وهو مع ذلك مستعمل8.