الخصائص (صفحة 861)

جميلًا وإنما يرغب فيه بأن ينبه عليه, ويعظم من قدره, بأن يصوره في النفوس1 على أشرف أحواله، وأنوه2 صفاته. وذلك بأن يتخيل شخصًا متجسمًا3 لا عرضًا متوهمًا. وعليه قوله 4:

تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير

"أي: فباديه إلى الخافي يسير"5 أي: فباديه مضمومًا إلى خافيه يسير. وذلك أنه لما وصف الحب بالتغلغل فقد اتسع به6؛ ألا ترى أنه يجوز على هذا أن تقول 7:

شكوت إليها حبها المتغلغلا ... فما زادها شكواي إلا تدللا8

فيصف بالمتغلغل9 ما ليس في أصل اللغة أن يوصف بالتغلغل, إنما وصف يخصّ الجواهر لا الأحداث؛ ألا ترى أن المتغلغل في الشيء لا بُدَّ أن يتجاوز مكانًا إلى آخر. وذلك تفريغ مكان وشغل مكان. وهذه أوصاف تخص في الحقيقة الأعيان لا الأحداث. فهذا وجه الاتساع.

وأما التشبيه فلأنه شبَّه ما لا ينتقل ولا يزول بما يزول وينتقل, وأما المبالغة والتوكيد فلأنه أخرجه عن ضعف العرضية إلى قوة الجوهرية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015